أنه قال : ما أدري ما الرّقيم (١)؟
قال* ع* (٢) : ويظهر من هذه الروايات ؛ أنهم كانوا قوما مؤرّخين ، وذلك من نبل المملكة ، وهو أمر مفيد.
وقوله سبحانه : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) : (الْفِتْيَةُ) ، فيما روي ؛ قوم من أبناء أشراف مدينة دقيوس الملك الكافر ، ويقال فيه «دقيانوس» ، وروي أنهم كانوا مطوّقين مسوّرين بالذهب ، وهم من الروم ، واتبعوا دين عيسى ، وقيل : كانوا قبل عيسى ، واختلف الرواة في قصصهم ، ونذكر من الخلاف عيونه ، وما لا تستغني الآية عنه : فروي عن مجاهد عن ابن عباس ، أن هؤلاء الفتية كانوا في دين ملك يعبد الأصنام (٣) ، فوقع للفتية علم من بعض الحواريّين ، حسبما ذكره النّقّاش ، أو من مؤمني الأمم قبلهم ، فآمنوا بالله ، ورأوا ببصائرهم قبيح فعل الناس ، فرفع أمرهم إلى الملك ، فاستحضرهم ، وأمرهم بالرجوع إلى دينه ، فقالوا / له فيما روي : (رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) [الكهف : ١٤] الآية ، فقال لهم الملك : إنّكم شبّان أغمار ، لا عقل لكم ، وأنا لا أعجل عليكم ، وضرب لهم أجلا ثم سافر خلال الأجل ، فتشاور الفتية في الهروب بأديانهم ، فقال لهم أحدهم : إني أعرف كهفا في جبل كذا ، فلنذهب إليه.
وروت فرقة أنّ أمر أصحاب الكهف إنما كان أنهم من أبناء الأشراف ، فحضر عيد لأهل المدينة ، فرأى الفتية ما ينتحله الناس في ذلك العيد من الكفر وعبادة الأصنام ، فوقع الإيمان في قلوبهم ، وأجمعوا على مفارقة دين الكفرة ، وروي أنهم خرجوا ، وهم يلعبون بالصّولجان والكرة ، وهم يدحرجونها إلى نحو طريقهم ؛ لئلّا يشعر الناس بهم ؛ حتى وصلوا إلى الكهف ، وأما الكلب فروي أنه كان كلب صيد لبعضهم ، وروي أنهم وجدوا في طريقهم راعيا له كلب ، فاتبعهم الراعي على رأيهم ، وذهب الكلب معهم ، فدخلوا الغار ، فروت فرقة أن الله سبحانه ضرب على آذانهم عند ذلك ، لما أراد من سترهم وخفي على أهل المملكة مكانهم ، وعجب الناس من غرابة فقدهم ، فأرّخوا ذلك ورقّموه في لوحين من رصاص أو نحاس ، وجعلوه على باب المدينة ، وقيل على الرواية : إن الملك بنى باب
__________________
(١) أخرجه الطبري (٨ / ١٨٢) برقم : (٢٢٩٠٥) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٤٩٨) ، وابن كثير (٣ / ٧٣) ، والسيوطي (٤ / ٣٨٤) ، وعزاه لابن جرير من طريق ابن جريج.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٤٩٧ ـ ٤٩٨)
(٣) ذكره ابن عطية (٣ / ٤٩٨)