وقوله سبحانه : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ ...) الآية : سبب نزول هذه الآية : أنّ بعض المشركين سمع النبيّ صلىاللهعليهوسلم يدعو : يا الله يا رحمان ، فقالوا : كان محمّد يأمرنا بدعاء إله واحد ، وهو يدعو إلهين ، قاله ابن عباس (١) ، فنزلت الآية مبيّنة ، أنها أسماء لمسمّى واحد ، وتقدير الآية : أيّ الأسماء تدعو به ، فأنت مصيب ، فله الأسماء الحسنى ، وفي «صحيح البخاريّ» بسنده عن ابن عباس في قوله سبحانه : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) قال : نزلت ورسول الله صلىاللهعليهوسلم مختف بمكّة ، كان إذا صلّى بأصحابه ، رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمعه المشركون ، سبّوا القرآن ، ومن أنزله ، ومن جاء به ، فقال الله تبارك وتعالى لنبيّه صلىاللهعليهوسلم : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) ، أي : بقراءتك ، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن ، (وَلا تُخافِتْ بِها) عن أصحابك ؛ فلا تسمعهم ، (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (٢) ، وأسند البخاريّ عن عائشة : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) قالت : أنزل ذلك في الدعاء انتهى (٣).
قال الغزّالي في «الإحياء» : وقد جاءت أحاديث تقتضي استحباب السّرّ بالقرآن ، وأحاديث تقتضي استحباب الجهر به ، والجمع بينهما أن يقال : إن التالي إذا خاف على نفسه الرّياء والتصنّع أو تشويش مصل ، / فالسر أفضل ، وإن أمن ذلك ، فالجهر أفضل ؛ لأن العمل فيه أكثر ؛ ولأن فائدته أيضا تتعدّى إلى غيره ؛ والخير المتعدّي أفضل من اللازم ؛ ولأنه يوقظ قلب القارئ ، ويجمع همّته إلى الفكر فيه ، ويصرف إليه سمعه ، ويطرد عنه النوم برفع صوته ، ولأنه يزيد في نشاطه في القراءة ، ويقلّل من كسله ؛ ولأنه يرجو بجهره تيقّظ نائم ، فيكون سببا في إعانته على الخير ، ويسمعه بطّال غافل ، فينشط بسببه ، ويشتاق لخدمة خالقه ، فمهما حضرت نيّة من هذه النيّات ، فالجهر أفضل ، وإن اجتمعت هذه النيّات ، تضاعف الأجر ، وبكثرة النيات يزكو عمل الأبرار وتتضاعف أجورهم. انتهى.
وقوله سبحانه : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ) هذه الآية رادّة على كفرة العرب في
__________________
(١) أخرجه الطبري (٨ / ١٦٥) برقم : (٢٢٨٠١) ، وذكره البغوي (٣ / ١٤٢) ، وابن عطية (٣ / ٤٩٢) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٦٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٧٣) ، وعزاه لابن جرير ، وابن مردويه.
(٢) أخرجه البخاري (. / ٢٥٧) ، كتاب «التفسير» باب : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) ، حديث (٤٧٢٢)
(٣) أخرجه البخاري (٨ / ٢٥٧) كتاب «التفسير» باب : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) ، حديث (٤٧٢٣)