بوجه الحكمة.
الثاني : أنّ قيام الليل فيه الخلوة بالباري تعالى ، والمناجاة معه دون الناس ، فيعطى الخلوة به ومناجاته في القيامة ، فيكون مقاما محمودا ، ويتفاضل فيه الخلق ؛ بحسب درجاتهم ، وأجلّهم فيه درجة نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم ، فيعطى من المحامد ما لم يعط أحد ، ويشفع فيشفّع. انتهى.
وقوله سبحانه : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ...) الآية : ظاهر الآية : والأحسن أن يكون دعا عليهالسلام في أن يحسّن الله حالته في كلّ ما يتناول من الأمور ويحاول من الأسفار والأعمال ، وينتظر من تصرّف المقادير في الموت والحياة ، فهي على أتمّ عموم ، معناه : ربّ ، أصلح لي وردي في كلّ الأمور ، وصدري.
وذهب المفسّرون إلى تخصيص اللفظ ، فقال ابن عبّاس وغيره : أدخلني المدينة ، وأخرجني من مكّة (١) ، وقال ابن عباس أيضا : الإدخال بالموت في القبر ، والإخراج : البعث (٢) ، وقيل غير هذا ، وما قدّمت من العموم التّامّ الذي يتناول هذا كلّه أصوب ، «والصّدق» ؛ هنا صفة تقتضي رفع المذامّ واستيعاب المدح ، (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) قال مجاهد : يعني حجّة تنصرني بها على الكفّار (٣).
وقوله سبحانه : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ ...) الآية : قال قتادة : (الْحَقُ) القرآن ، و (الْباطِلُ) الشيطان (٤).
وقالت فرقة : (الْحَقُ) : الإيمان ، و (الْباطِلُ) : الكفران ، وقيل غير هذا ، والصواب تعميم اللفظ بالغاية الممكنة ؛ فيكون التفسير : جاء الشرع بجميع ما انطوى فيه ، وزهق الكفر بجميع ما انطوى فيه ، وهذه الآية نزلت بمكّة ، وكان يستشهد بها النبيّ صلىاللهعليهوسلم يوم فتح مكّة وقت طعنه الأصنام وسقوطها لطعنه إياها بالمخصرة.
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٥ / ٣٠٤) كتاب «التفسير» باب : ومن سورة بني إسرائيل ، حديث (٣١٣٩) ، وقال الترمذي : حسن صحيح.
(٢) أخرجه الطبري (٨ / ١٣٦) برقم : (٢٢٦٤٩) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٤٧٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٦٠) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه الطبري (٨ / ١٣٧) برقم : (٢٢٦٥٧) ، وذكره البغوي (٣ / ١٣٢) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٤٨٠) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٥٩)
(٤) أخرجه الطبري (٨ / ١٣٨) برقم : (٢٢٦٦١) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٤٨٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٦٠) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.