وقال مجاهد : ذهبت قريش إلى هذا ، ولكنه لم يقع منها ؛ لأنه لما أراد الله سبحانه استبقاء قريش ، وألّا يستأصلها ، أذن لرسوله في الهجرة ، فخرج من الأرض بإذن الله ، لا بقهر قريش ، واستبقيت قريش ؛ ليسلم منها ومن أعقابها من أسلم (١).
ت : قال ص : قوله (لا يَلْبَثُونَ) جواب قسم محذوف ، أي : والله ، إن استفززت ، فخرجت ، لا يلبثون خلفك إلا قليلا. انتهى.
وقوله سبحانه : (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا ...) الآية : معنى الآية الإخبار أن سنة الله تعالى في الأمم الخالية وعادته أنها إذا أخرجت نبيّها من بين أظهرها ، نالها العذاب ، واستأصلها ، فلم تلبث خلفه إلا قليلا.
(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً)(٧٨)
وقوله سبحانه : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ...) الآية : إجماع المفسّرين على أنّ الإشارة هنا إلى الصلوات المفروضة ، والجمهور أنّ دلوك الشمس زوالها ، والإشارة إلى الظهر والعصر ، و (غَسَقِ اللَّيْلِ) : أشير به إلى المغرب والعشاء ، و (قُرْآنَ الْفَجْرِ) : يريد به صلاة الصبح ، فالآية تعم جميع الصلوات ، «والدلوك» ؛ في اللغة : هو الميل ، فأول الدلوك هو الزوال ، وآخره هو الغروب ، قال أبو حيان (٢) : واللام في (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) : للظرفية بمعنى بعد انتهى ، و (غَسَقِ اللَّيْلِ) : اجتماعه وتكاثف ظلمته ، وعبّر عن صلاة الصبح خاصّة بالقرآن ، لأن القرآن هو عظمها ؛ إذ قراءتها طويلة مجهور بها.
وقوله سبحانه : (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) معناه : يشهده حفظة النهار وحفظة الليل من الملائكة ؛ حسبما ورد في الحديث الصّحيح : «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل ، وملائكة بالنّهار ؛ فيجتمعون في صلاة الصّبح وصلاة العصر ...» الحديث (٣) بطوله ، وفي «مسند (٤) البزّار» عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، أنّه قال : «إنّ أفضل الصّلوات صلاة الصّبح يوم الجمعة ، في جماعة ، وما أحسب شاهدها منكم إلّا مغفور له» (٥) انتهى من «الكوكب الدري».
__________________
(١) أخرجه الطبري (٨ / ١٢١) برقم : (٢٢٥٥٢) ، وذكره البغوي (٣ / ١٢٧) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٤٧٦)
(٢) ينظر : «البحر المحيط» (٦ / ٦٨)
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (٧ / ٣٦٨) برقم : (١٩٣٠٧) ، وعزاه للطبراني ، عن ابن عمر.
(٥) أخرجه البزار (١ / ٢٩٨ ـ كشف) ، برقم : (٦٢١) ، من طريق عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة به ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٢ / ١٧١) ، وقال : رواه البزار والطبراني في «الكبير» و «الأوسط» كلهم من رواية عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، وهما ضعيفان. اه.