وقوله : (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ
رَبِّكُمْ) أي : آية أو حجة أو موعظة بيّنة من ربكم ، قال بعض
الناس : إن صالحا جاء بالناقة من تلقاء نفسه.
وقال الجمهور :
بل كانت مقترحة ، وهذا أليق بما ورد في الآثار من أمرهم ، روي أنّ قومه طلبوا منه
آية تضطرّهم إلى الإيمان ، وقالوا : يا صالح ، إن كنت صادقا ، فادع لنا ربّك يخرج
لنا من هذه الهضبة ، وفي بعض الروايات من هذه الصّخرة ـ لصخّرة بالحجر ـ ناقة
عشراء ، فدعا الله ، فتمخّضت تلك الهضبة ، وانشقّت عن ناقة عظيمة ، وروي أنها كانت
حاملا ، فولدت سقبها المشهور.
وروي أنه خرج
معها فصيلها من الصخرة.
وقيل لها : (ناقَةُ اللهِ) ؛ تشريفا لها ، وتخصيصا ، وهي إضافة خلق إلى خالق ،
وجعل الله لها شربا يوما ، ولهم شرب يوم ، وكانت آية في شربها وحلبها.
قال المفسّرون
: كانت خلقا عظيما تأتي إلى الماء بين جبلين ، فيزحمانها من العظم ، وقاسمت ثمود
في الماء يوما بيوم ، فكانت الناقة ترد يومها ، فتستوفي ماء بئرهم شربا ،
ويحلبونها ما شاؤوا من لبن ، ثم تمكث يوما ، وترد بعد ذلك غبّا ، فاستمرّ ذلك ما
شاء الله حتّى ملّتها ثمود ، وقالوا : ما نصنع باللّبن ؛ الماء أحبّ إلينا منه ،
وكان سبب الملل فيما روي : أنها كانت تصيف في بطن الوادي ، وادي الحجر / وتشتو في
ظاهره ، فكانت مواشيهم تفرّ منها ، فتمالؤوا على ملل الناقة ، وروي أن صالحا أوحى
الله إليه أنّ قومك سيعقرون الناقة ، وينزل بهم العذاب عند ذلك ، فأخبرهم بذلك ،
فقالوا : عياذا بالله أن نفعل ذلك ، فقال : إن لم تفعلوا أنتم أوشك أن يولد فيكم
من يفعله ، وقال لهم صفة عاقرها : أحمر ، أشقر ، أزرق ، فولد قدار على الصفة
المذكورة ، فكان الذي عقرها بالسيف ، وقيل : بالسهم في ضرعها ، وهرب فصيلها عند
ذلك ؛ حتّى صعد على جبل يقال له القارة ، فرغا ثلاثا ، فقال : يا صالح ، هذا ميعاد
ثلاثة أيام للعذاب ، وأمرهم قبل رغاء الفصيل أن يطلبوه عسى أن يصلوا إليه ، فيندفع
عنهم العذاب به ، فراموا الصعود إليه في الجبل فارتفع الجبل في السماء ؛ حتى ما
تناله الطير ؛ وحينئذ رغا الفصيل ، وروي أنّ صالحا عليهالسلام قال لهم ، حين رغا الفصيل : ستصفرّ وجوهكم في اليوم
الأول ، وتحمرّ في الثاني ، وتسودّ في الثالث ، فلمّا ظهرت العلامات التي قال لهم
، أيقنوا بالهلاك ، واستعدّوا ، ولطّخوا أبدانهم بالمرّ ، وحفروا القبور ،
وتحنّطوا وتكفّنوا في الأنطاع ، فأخذتهم الصيحة ، وخرج صالح ومن آمن معه ؛ حتى نزل
رملة فلسطين ، وقد أكثر الناس في هذا القصص ، وهذا القدر