جاءتهم الآيات المقترحة ، فلم يؤمنوا كثمود وغيرهم. قال الزّجّاج (١) : أخبر تعالى أنّ موعد كفار هذه الأمة الساعة ؛ بقوله سبحانه : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) [القمر : ٤٦] فهذه الآية تنظر إلى ذلك ، و (مُبْصِرَةً) أي : ذات إبصار وهي عبارة عن بيان أمر الناقة ، ووضوح إعجازها ، وقوله : (فَظَلَمُوا بِها) ، أي : بعقرها ، وبالكفر في أمرها ، ثم أخبر تعالى أنه إنما يرسل بالآيات غير المقترحة ؛ تخويفا للعباد ، وهي آيات معها إمهال ، فمن ذلك الكسوف والرعد والزلزلة وقوس قزح ، وغير ذلك ، وآيات الله المعتبر بها ثلاثة أقسام : فقسم عامّ في كل شيء ، إذ حيث ما وضعت نظرك ، وجدت آية ، وهنا فكرة للعلماء ، وقسم معتاد غالبا ؛ كالكسوف ونحوه ، وهنا فكرة الجهلة ، وقسم خارق للعادة ، وقد انقضى بانقضاء النبوّة ، وإنما يعتبر به ، توهّما لما سلف منه.
(وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (٦٠) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً)(٦٤) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً)(٦٥)
وقوله سبحانه : (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) هذه الآية إخبار للنبي صلىاللهعليهوسلم بأنه محفوظ من الكفرة آمن ، أي : فلتبلّغ رسالة ربّك ، ولا تتهّيب أحدا من المخلوقين ؛ قاله الطبريّ (٢) ؛ ونحوه للحسن (٣) والسّدّي.
وقوله سبحانه : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ...) الآية : الجمهور أنّ هذه الرؤيا رؤيا عين ويقظة ، وذلك أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما كان صبيحة الإسراء ، وأخبر بما رأى في تلك الليلة من العجائب ، قال الكفّار : إن هذا لعجب ، واستبعدوا ذلك ؛ فافتتن بهذا قوم من ضعفة المسلمين ؛ فارتدّوا ؛ وشقّ ذلك على النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ فنزلت هذه الآية ؛ فعلى هذا يحسن
__________________
(١) ينظر : «تفسير الزجاج» (٣ / ٢٤٧)
(٢) ينظر : «الطبري» (٨ / ١٠٠)
(٣) أخرجه الطبري (٨ / ١٠٠) برقم : (٢٢٤٠٨) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٤٦٧) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٤٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٤٥) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.