الله المؤمنين فيما بينهم بحسن الأدب ، وخفض الجناح ، وإلانة القول ، واطّراح نزعات الشيطان ، ومعنى النّزغ : حركات الشيطان بسرعة ؛ ليوجب فسادا ، وعداوة الشيطان البيّنة : هي من قصة آدم عليهالسلام ، فما بعد ، وقالت فرقة : إنما أمر الله في هذه الآية المؤمنين بإلانة القول للمشركين بمكّة أيام المهادنة ، ثم نسخت بآية السيف.
وقوله سبحانه : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) : يقوّي هذا التأويل ؛ إذ هو مخاطبة لكفّار مكّة ؛ بدليل قوله : (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) فكأن الله عزوجل أمر المؤمنين ألّا يخاشنوا الكفّار في الدين ، ثم قال للكفّار إنه أعلم بهم ورجّاهم وخوّفهم ، ومعنى (يَرْحَمْكُمْ) بالتوبة عليكم من الكفر ؛ قاله ابن جريج وغيره (١).
وقوله سبحانه : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) قرأ الجمهور (٢) : «زبورا» بفتح الزاي ، وهو فعول بمعنى مفعول ، وهو قليل ؛ لم يجيء إلا في قدوع وركوب وحلوب ، وقرأ حمزة (٣) : بضمّ الزاي قال قتادة : زبور داود مواعظ ودعاء ، وليس فيه حلال ولا حرام (٤).
(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً)(٥٨)
وقوله سبحانه : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) هذه الآية ليست في عبدة الأصنام ، وإنما هي في عبدة من يعقل ، كعيسى وأمّه وعزير وغيرهم. قاله ابن عباس (٥) ، فلا يملكون كشف الضرّ ولا تحويله ، ثم أخبر تعالى ،
__________________
(١) أخرجه الطبري (٣ / ٩٣) برقم : (٢٢٣٧١) ، وذكره البغوي (٣ / ١١٩) ، وابن عطية (٣ / ٤٦٤) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٤٠) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٤٦٥)
(٣) وقرأ بها يحيى والأعمش. ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٤٦٥) ، و «السبعة» (٣٨٢) ، و «الحجة» (٥ / ١٠٨) ، و «إعراب القراءات» (١ / ٣٧٦) ، و «العنوان» (١٢٠) ، و «إتحاف» (٢ / ٢٠٠)
(٤) ذكره ابن عطية (٣ / ٤٦٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٤١) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم.
(٥) أخرجه الطبري (٨ / ٩٦) برقم (٢٢٣٨٥) ، وذكره البغوي (٣ / ١٢٠) ، وابن عطية (٣ / ٤٦٥) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٤٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٤٣) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه.