فقال ولده بدر الدين : أي سواء كان مذكّرا أو مؤنّثا ، وأكثر ما يستعمل فيمن يعقل ، وقد يجيء / لغيره ؛ كقوله : [الكامل]
ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى |
|
والعيش بعد أولئك الأيّام (١) |
وقد حكى (٢) * ع البيت ، وقال : الرواية فيه «الأقوام» ، والله أعلم انتهى.
والضمير في (عَنْهُ) يعود على ما ليس للإنسان به علم ، ويكون المعنى : إن الله تعالى يسأل سمع الإنسان وبصره وفؤاده عمّا قال مما لا علم له به ، فيقع تكذيبه من جوارحه ، وتلك غاية الخزي ، ويحتمل أن يعود على (كُلُ) التي هي السمع والبصر والفؤاد ، والمعنى : إن الله تعالى يسأل الإنسان عما حواه سمعه وبصره وفؤاده.
قال صاحب «الكلم الفارقيّة» : لا تدع جدول سمعك يجري فيه أجاج الباطل ؛ فيلهب باطنك بنار الحرص على العاجل ، السّمع قمع تغور فيه المعاني المسموعة إلى قرار وعاء القلب ، فإن كانت شريفة لطيفة ، شرّفته ولطّفته وهذّبته وزكّته ، وإن كانت رذيلة دنيّة ، رذّلته وخبّثته ، وكذلك البصر منفذ من منافذ القلب ، فالحواسّ الخمس كالجداول والرواضع
__________________
بالكاف حرفا دون لام أو معه |
|
واللّام إن قدّمت «ها» ممتنعة |
أي : يشار إلى الجمع ـ مذكرا كان أو مؤنثا ـ ب «أولى» ممدودا أو مقصورا ، والمد أولى ، لأنه لغة الحجاز ، وبه جاء التنزيل ، قال تعالى : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ) والقصر لغة تميم.
وأشار بقوله : «ولدي البعد انطقا ...» إلخ : إلى أن المشار إليه له رتبتان : قربى ، وبعدي :
أما المرتبة القربى : فتكون بدون كاف الخطاب ولام البعد ، سواء مع «ها» التنبيه أو بدونها ، تقول : (ذا ـ هذا) ، و (ذي ـ هذي) ، و (ذان ـ هذان) ، و (تان ـ هاتان) ، و (أولى ـ هؤلى) ، و (أولاء ـ هؤلاء). والمرتبة البعدى : تكون بكاف الخطاب دون لام البعد أو معها ، فإن جاءت معها اللام امتنعت «ها» التنبيه ، وكنا إن تقدمت «ها» امتنعت اللام ، وهذا ما أشار إليه الناظم بقوله : «واللام إن قدمت «ها» ممتنعه» ، فتقول : (ذاك ـ هذاك ـ ذلك) ، و (تيك ـ هاتيك ـ تلك) ، وعلى ذلك قس ، وعلى هذاك قول طرفة [من الطويل] :
رأيت بني غبراء لا ينكرونني |
|
ولا أهل هذاك الطّراف الممدّد |
(١) البيت لجرير في «ديوانه» ص : (٩٩٠) ، وفيه «الأقوام» مكان «الأيّام» ، و «تخليص الشواهد» ص : (١٢٣) ، و «خزانة الأدب» (٥ / ٤٣٠) ، و «شرح التصريح» (١ / ١٢٨) ، و «شرح شواهد الشافية» ص : (١٦٧) ، و «شرح المفصّل» (٩ / ١٢٩) ، و «لسان العرب» (١٥ / ٤٣٧) (أولي) ، و «المقاصد النحويّة» (١ / ٤٠٨) ، وبلا نسبة في «أوضح المسالك» (١ / ١٣٤) ، و «شرح الأشموني» (١ / ٦٣) ، و «شرح ابن عقيل» ص : (٧٢) ، و «المقتضب» (١ / ٨٥).
واستشهد فيه بقوله : «أولئك الأيام» حيث أشار ب «أولاء» إلى «الأيّام» ممّا يدلّ على جواز الإشارة ب «أولاء» إلى جمع غير العاقل. ويروى «الأقوام» مكان «الأيّام» ، ولا شاهد فيه حينئذ.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٤٥٦)