(وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) [الزلزلة : ٧] ، وكتأدية ما دون القنطار من قوله تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) [آل عمران : ٧٥] وعدم تأدية ما فوق الدينار من قوله تعالى : (بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) [آل عمران : ٧٥] وهو من قبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى ، والأعلى على الأدنى ، فلذلك كان الحكم في المسكوت أولى ، وإنما يكون ذلك إذا عرف المقصود من الحكم ، وأنه أشدّ مناسبة في المسكوت ؛ كهذه الأمثلة ، ومفهوم المخالفة : أن يكون المسكوت عنه مخالفا للمنطوق به في الحكم ويسمّى دليل الخطاب (١) وهو أقسام : مفهوم الصفة (٢) ؛ مثل : «في الغنم السّائمة الزّكاة» ،
__________________
(١) تقدم التعريف ب «دليل الخطاب».
(٢) مفهوم الصّفة : هو ما يفهم من تعليق الحكم على الذّات بصفة من صفاتها ، كما في قوله صلىاللهعليهوسلم : «في سائمة الغنم زكاة» ، فإن الغنم ذات ، والسوم والعلف وصفان لها يعتورانها ، وقد علق الحكم وهو وجوب الزكاة بأحد وصفيها ، وهو السوم ، فيفهم منه نفي الوجوب عن المعلوفة ؛ لانتفاء الصّفة التي علق الحكم بها ، وهي السوم ، وكما في قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) [النساء : ٢٥] ، فالفتيات : جمع فتاة ، وهي ذات يعتورها الإيمان والشرك ، وقد علق الحكم بأحدهما ، وهو الإيمان ، فيدل على نفيه عن غير المؤمنات.
والمراد بالصفة عند الأصوليين : لفظ مقيد لآخر ، وليس بشرط ، ولا استثناء ، ولا غاية ، وبعبارة أخرى : هي تقييد لفظ مشترك المعنى بلفظ آخر يختصّ ببعض معانيه ليس بشرط ، ولا استثناء ، ولا غاية بعد أن كان صالحا لما له تلك الصفة ولغيرها ، سواء كان ذلك اللفظ المختص نعتا نحويا مثل : «في الغنم السّائمة زكاة» ، أو مضافا مثل : «في سائمة الغنم زكاة» ، أو مضافا إليه مثل قوله صلىاللهعليهوسلم : «مطل الغنيّ ظلم» ، أو ظرف زمان مثل قوله صلىاللهعليهوسلم : «من ابتاع نخلا بعد أن تؤبّر فثمرتها للبائع» ، أو ظرف مكان مثل «بع في مكان كذا» ، أو حالا نحو : «أحسن إلى العبد مطيعا» ؛ لأن المخصوص بالكون في مكان أو زمان موصوف بالاستقرار فيه ، والحال وصف لصاحبها في المعنى ، أو كان ذلك اللفظ المختص علة مثل : «أعط السائل لحاجته» ، فالمفهوم في المثال «الأول» ، و «الثاني» : عدم وجوب الزكاة في الغنم المعلوفة.
«وفي الثالث» : أن مطل الفقير ليس ظلما.
«وفي الرابع» : أن ثمرة النخلة المؤبّرة بعد البيع ليست للبائع ، وإنما تكون للمشتري.
«وفي الخامس» : عدم البيع في غير المكان المخصوص.
«وفي السادس» : عدم الإحسان إليه إذا كان عاصيا.
«وفي السابع» : عدم الإعطاء عند عدم الحاجة ؛ لأن المعلول ينتفي بانتفاء علّته ، فإن الحكم لما علق في هذه الأمثلة بصفة خاصة صار ثبوته مرتبطا بثبوت تلك الصفة ، وعليه فانتفاؤها يدل على انتفائه.
«والفرق بين مطلق الصفة ، وخصوص العلة». أن الصّفة قد تكون علّة كالإسكار ، وقد لا تكون ، بل هي متممة لها ، كالسّوم ، فإن وجوب الزكاة في الغنم السائمة ليس للسوم فقط ، وإلا لوجبت في الوحوش السائمة ، وإنما وجبت لنعمة الملك ، وهي مع السوم أتم منها مع العلف ، فالصفة أعم من العلة. وبذلك يعلم أن الصفة عند الأصوليين أعم منها عند النحويين.