حكم الشرع ، (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) ولا يشكر الله سعيا ولا عملا إلا أثاب عليه ، وغفر بسببه ؛ ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم في حديث الرجل الذي سقى الكلب العاطش : «فشكر الله له فغفر له(١)».
وقوله سبحانه : (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) يحتمل أن يريد ب «العطاء» الطاعات لمريد الآخرة ، والمعاصي لمريد العاجلة ، وروي هذا التأويل عن ابن (٢) عباس ، ويحتمل أن يريد بالعطاء رزق الدنيا ، وهو تأويل الحسن بن أبي الحسن ، وقتادة (٣) ، المعنى أنه سبحانه يرزق في الدنيا من يريد العاجلة ومريد الآخرة ، وإنما يقع التفاضل والتباين في الآخرة ، ويتناسب هذا المعنى مع قوله : (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) ، أي : ممنوعا ، وقلّما تصلح هذه العبارة لمن يمدّ بالمعاصي.
(انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (٢١) لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً)(٢٢)
وقوله : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) الآية تدلّ دلالة ما على أن العطاء في التي قبلها الرزق ، وباقي الآية معناه أوضح من أن يبيّن.
وقوله سبحانه : (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً) هذه الآية خطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم والمراد لجميع الخلق ، قاله الطبري (٤) وغيره ، ولا مرية في ذمّ من نحت عودا أو حجرا ، وأشركه في عبادة ربه.
قال* ص* : (فَتَقْعُدَ) ، أي : فتصير ؛ بهذا فسره الفراء وغيره اه.
«والخذلان» ؛ في هذا بإسلام الله لعبده ، ألا يتكفّل له بنصر ، والمخذول الذي أسلمه ناصروه ، والخاذل من الظباء التي تترك ولدها.
(وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ
__________________
(١) أخرجه البخاري (١٠ / ٤٥٢) كتاب «الأدب» باب : رحمة الناس والبهائم ، حديث (٦٠٠٩) من حديث أبي هريرة.
(٢) ذكره ابن عطية (٣ / ٤٤٦)
(٣) أخرجه الطبري (٨ / ٥٦) برقم : (٢٢١٧٥) وبرقم : (٢٢١٧٧) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٤٤٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» ((٤ / ٣٠٨) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبي نعيم في «الحلية».
(٤) ينظر : «الطبري» (٨ / ٥٧)