وذلك أن المحلوف له مطمئنّ ، فيتمكن الحالف من ضرره بما يريد.
وقوله سبحانه : (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) المعنى : لا تنقضوا الأيمان من أجل أن تكون قبيلة أزيد من قبيلة في العدد والعزّة والقوّة ، و (يَبْلُوكُمُ) أي : يختبركم ، والضمير في «به» يحتمل أن يعود على «الرّبا» ، أي : أنّ الله ابتلى عباده بالربا ، وطلب بعضهم الظّهور على بعض ، واختبرهم بذلك ؛ ليرى من يجاهد بنفسه ، ممّن يتّبع هواها ، وباقي الآية وعيد بيوم القيامة.
(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦) مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٩٧)
وقوله سبحانه : (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ...) الآية : «الدّخل» ؛ كما تقدّم : الغوائل والخدائع ، وكرّر مبالغة ، قال الثعلبيّ : قال أبو عبيدة : كلّ أمر لم يكن صحيحا فهو دخل انتهى.
وقوله : (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) استعارة للمستقيم الحال يقع في شرّ عظيم.
وقوله سبحانه : (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً ...) الآية : هذه آية نهي عن الرّشا (١) ، وأخذ الأموال ، ثم أخبر تعالى أنّ ما عنده من نعيم الجنّة ، ومواهب الآخرة خير لمن اتقى وعلم واهتدى ، ثم بيّن سبحانه / الفرق بين حال الدنيا ، وحال الآخرة ، بأنّ هذه تنفد وتنقضي عن الإنسان ، أو ينقضي عنها ، ومنن الآخرة باقية دائمة ، و (صَبَرُوا) معناه عن الشهوات وعلى مكاره الطاعات ، وهذه إشارة إلى الصبر عن شهوة كسب المال بالوجوه المكروهة.
واختلف النّاس في معنى «الحياة الطّيّبة» فقال ابن عباس : هو الرزق الحلال (٢) وقال
__________________
(١) «الرشوة» : هي بكسر الراء وضمها والجمع رشا وقد أرشاه من باب عدا و «ارتشى» أخذ الرشوة و «استرشى» في حكم طلب الرشوة عليه ، و «أرشاه» أعطاه الرشوة.
ينظر : «تحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية» بتحقيقنا (٥ / ٦٥)
(٢) أخرجه الطبري (٧ / ٦٤١) برقم : (٢١٨٩٣ ـ ٢١٨٩٤) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٤١٩) ، وذكره ابن كثير (٢ / ٥٨٥) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٤٤) ، وعزاه لابن أبي حاتم.