عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٨٢) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ)(٨٣)
وقوله سبحانه : (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ...) الآية : «الجوّ مسافة ما بين السماء والأرض ، وقيل : هو ما يلي الأرض منها ، والآية عبرة بيّنة المعنى ، تفسيرها تكلف محت ، و (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ) معناه رحيلكم ، والأصواف : للضأن ، والأوبار : للإبل ، والأشعار : للمعز ، ولم تكن بلادهم بلاد قطن وكّتان ، فلذلك اقتصر على هذه ، ويحتمل أنّ ترك ذكر القطن والكتّان والحرير إعراض عن السّرف ، إذ ملبس عباد الله الصالحين إنما هو الصّوف ، قال ابن العربيّ في «أحكامه» عند قوله تعالى : (لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) [النحل : ٥] : في هذه الآية دليل على لباس الصّوف ، فهو أوّل ذلك وأولاه ، لأنه شعار المتقين ، ولباس الصالحين ، وشارة الصّحابة والتابعين ، واختيار الزّهّاد والعارفين ، وإليه نسب جماعة من النّاس «الصّوفيّة» ؛ لأنه لباسهم في الغالب انتهى.
«والأثاث» متاع البيت ، واحدها أثاثة ؛ هذا قول أبي زيد الأنصاريّ (١) وقال غيره : «الأثاث» : جميع أنواع المال ، ولا واحد له من لفظه.
قال* ع (٢) : والاشتقاق (٣) يقوي هذا المعنى الأعمّ ؛ لأنّ حال الإنسان تكون بالمال أثيثة ؛ كما تقول : شعر أثيث ، ونبات أثيث ، إذا كثر والتفّ ، والسرابيل : جميع ما يلبس على جميع البدن ، وذكر وقاية الحرّ ، إذ هو أمسّ بتلك البلاد ، والبرد فيها معدوم في الأكثر ، وأيضا : فذكر أحدهما يدلّ على الآخر ، وعن عمر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : من لبس ثوبا جديدا ، فقال : «الحمد لله الّذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمّل به في حياتي ، ثمّ عمد إلى الثّوب الّذي خلق ، فتصدّق به ـ كان في كنف الله ، وفي حفظ الله ، وفي ستر الله حيّا وميّتا (٤)» رواه الترمذيّ ، واللفظ له ، وابن ماجه ، والحاكم في «المستدرك» ، وعن عائشة قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما اشترى عبد ثوبا
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٣ / ٤١٢)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٤١٢)
(٣) الاشتقاق هو : نزع لفظ من آخر بشرط مناسبتهما معنى وتركيبا ، ومغايرتهما في الصيغة ، وهو يقابل الجمود ويضاده ، وقد اختلف النحاة في الأصل الذي يقع فيه الاشتقاق ، وهو ينقسم إلى كبير وصغير.
ينظر : «التعريفات» للجرجاني ص : (٣٧) و «معجم المصطلحات النحوية والصرفية» ص : (١١٦)
(٤) أخرجه الترمذي (٥ / ٥٥٨) كتاب «الدعوات» باب : (١٠٨) ، حديث (٣٥٦٠) ، وابن ماجه (٢ / ١١٧٨) كتاب «اللباس» باب : ما يقول الرجل إذا لبس ثوبا جديدا ، حديث (٣٥٥٧) ، والحاكم (١ / ٥٠٧) ، وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (٢٦٧) من حديث أبي أمامة.