عبد بهذه الصفة ، مملوك لا يقدر على شيء من المال ، ولا أمر نفسه ، وإنما هو مسخّر بإرادة سيّده ، مدبّر ، وبإزاء العبد في المثال رجل موسّع عليه في المال ، فهو يتصرّف فيه بإرادته ، واختلف النّاس في الذي له المثل ، فقال ابن عباس وقتادة : هو مثل الكافر والمؤمن (١) ، وقال مجاهد والضّحّاك : هذا المثال والمثال الآخر الذي بعده ، إنما هو مثال لله تعالى ، والأصنام ، فتلك كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء ، والله تعالى تتصرّف قدرته دون معقب (٢) ، وكذلك فسّر الزّجّاج على نحو قول مجاهد ، وهذا التأويل أصوب ؛ لأن الآية تكون من معنى ما قبلها ، ومدارها في تبيين أمر الله والردّ على أمر الأصنام.
وقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي : على ظهور الحجّة.
وقوله سبحانه : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ ...) الآية : هذا مثل لله عزوجل والأصنام ، فهي كالأبكم الذي لا نطق له ولا يقدر على شيء ، «والكلّ» الثقيل المئونة ، كما الأصنام تحتاج إلى أن تنقل وتخدم ويتعذّب بها ، ثم لا يأتي من جهتها خير أبدا ، والذي يأمر بالعدل هو الله تعالى.
وقوله تعالى : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ ...) الآية : المعنى ، على ما قاله قتادة وغيره : ما تكون الساعة وإقامتها في قدرة الله تعالى (٣) إلا أن يقول لها : كن ، فلو اتّفق أن يقف على ذلك محصّل من البشر ، لكانت من السرعة بحيث يشكّ ، هل هي كلمح البصر أو هي أقرب ، «ولمح البصر» هو وقوعه على المرئيّ.
(أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٧٩) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٨٠) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (٨١) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ٦٢٢) برقم : (٢١٨٠٦ ـ ٢١٨٠٧ ـ ٢١٨٠٨) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٤١٠) ، وابن كثير (٢ / ٥٧٨) بنحوه ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٣٤) ، وعزاه لابن أبي حاتم ولعبد بن حميد.
(٢) ذكره ابن عطية (٣ / ٤١٠) ، وابن كثير (٢ / ٥٧٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٣٥) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه الطبري (٧ / ٦٢٤) برقم : (٢١٨١٦) بنحوه ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٣٦) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.