وقوله سبحانه : (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) : أي : لما لا يعلمون له حجّة ، ولا برهانا ، ويحتمل أن يريد بنفي العلم الأصنام ، أي : لجمادات لا تعلم شيئا نصيبا ، و «النصيب» المشار إليه هو ما كانت العرب سنّته من الذبح لأصنامها ، والقسم من الغلّات وغيره.
(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (٥٧) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ)(٥٩)
وقوله سبحانه : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ ...) الآية : تعديد لقبائح الكفرة في قولهم : «الملائكة بنات الله» ، تعالى الله عن قولهم ، والمراد بقوله : (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) ، الذّكران من الأولاد.
وقوله : (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) : عبارة عما / يعلو وجه المغموم.
قال* ص* : «ظلّ» : تكون بمعنى «صار» ، وبمعنى «أقام نهارا» ؛ على الصفة المسندة إلى اسمها ، وتحتمل هنا الوجهين. انتهى ، و (كَظِيمٌ) : بمعنى : كاظم ، والمعنى : أنه يخفي وجده وهمّه بالأنثى ، ومعنى (يَتَوارى) : يتغيّب من القوم ، وقرأ (١) الجحدريّ : «أيمسكها أم يدسّها» ، وقرأ الجمهور (٢) : «على هون» ، وقرأ عاصم الجحدريّ (٣) : «على هوان» ، ومعنى الآية : يدبر ، أيمسك هذه الأنثى على هوان يتحمّله ، وهمّ يتجلّد له ، أم يئدها فيدفنها حيّة ، وهو الدسّ في التراب.
(لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ)(٦٢)
وقوله سبحانه : (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ) : قالت فرقة : (مَثَلُ) ، في هذه الآية : بمعنى صفة ، أي : لهؤلاء صفة السّوء ولله المثل الأعلى.
__________________
(١) ينظر : «الشواذ» (٧٧) ، و «المحرر الوجيز» (٣ / ٤٠٢) ، و «البحر المحيط» (٥ / ٤٨٨) ، و «الدر المصون» (٤ / ٣٣٩)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٤٠٢) ، و «البحر المحيط» (٥ / ٤٨٨) ، و «الدر» (٤ / ٣٣٩)
(٣) ينظر : مصادر القراءة السابقة.