مستحسن يناله ابن آدم ، وفي هذا القول يدخل ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنه كان يعطي المال وقت القسمة الرّجل من المهاجرين ، ويقول له : خذ ما وعدك الله في الدنيا ، ولأجر الآخرة أكبر ، ثم يتلو هذه (١) الآية ، ويدخل في هذا القول النّصر على العدوّ ، وفتح البلاد ، وكلّ أمل بلغه المهاجرون ، والضمير في (يَعْلَمُونَ) عائد على كفار قريش.
وقوله : (الَّذِينَ صَبَرُوا) : من صفة المهاجرين.
وقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) : هذه الآية ردّ على كفّار قريش الذين استبعدوا أن يبعث الله بشرا رسولا ، ثم قال تعالى : (فَسْئَلُوا) ، أي : قل لهم : (فَسْئَلُوا) ، و (أَهْلَ الذِّكْرِ) ؛ هنا : أحبار اليهود والنصارى ؛ قاله ابن عباس وغيره (٢) ، وهو أظهر الأقوال ، وهم في هذه النازلة خاصّة إنما يخبرون بأنّ الرسل من البشر ، وأخبارهم حجّة على هؤلاء ، وقد أرسلت قريش إلى يهود يثرب يسألونهم ويسندون إليهم.
وقوله : (بِالْبَيِّناتِ) : متعلّق بفعل مضمر ، تقديره : أرسلناهم بالبيّنات ، وقالت فرقة : الباء متعلّقة ب (أَرْسَلْنا) في أول الآية ، والتقدير على هذا : وما أرسلنا من قبلك بالبيّنات والزّبر إلّا رجالا ، ففي الآية تقديم وتأخير ، و (الزُّبُرِ) : الكتب المزبورة.
وقوله سبحانه : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ...) الآية.
* ت* : وقد فعل صلىاللهعليهوسلم ذلك ، فبيّن عن الله ، وأوضح ، وقد أوتي صلىاللهعليهوسلم جوامع الكلم ، فأعرب عن دين الله ، وأفصح ، ولنذكر الآن طرفا من حكمه ، وفصيح كلامه بحذف أسانيده ، قال عياض في «شفاه» : وأما كلامه صلىاللهعليهوسلم المعتاد ، وفصاحته المعلومة ، وجوامع كلمه ، وحكمه المأثورة ، فمنها ما لا يوازى فصاحة ، ولا يبارى بلاغة ؛ كقوله : «المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمّتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم» (٣) ، وقوله : «النّاس
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ٥٨٦) برقم : (٢١٥٩٥) ، وذكره البغوي (٣ / ٦٩) ، وابن عطية (٣ / ٣٩٥) ، وابن كثير في «تفسيره» (٢ / ٥٧٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٢١) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر.
(٢) أخرجه الطبري (٧ / ٥٨٧) برقم : (٢١٦٠٢) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٣ / ٣٩٥) بنحوه ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٢٢) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه الطيالسي (٢ / ٣٧ ـ منحة) ، وأحمد (٢ / ٢١١) ، وأبو داود (٣ / ١٨٣) كتاب «الجهاد» باب : في السرية ترد على أهل العسكر ، حديث (٢٧٥١) ، وابن ماجه (٢ / ٨٩٥) كتاب «الديات» باب : المسلمون تتكافأ دماؤهم ، حديث (٢٦٨٥) ، وابن الجارود في «المنتقى» (٧٧١) ، والبيهقي (٨ / ٢٩) كتاب ـ