وقوله سبحانه : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ...) الآية : إلى قوله : (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) ، وقرأ حمزة والكسائيّ وعاصم (١) : «لا يهدي» ـ بفتح الياء وكسر الدال ـ ، وذلك على معنيين : أي : إن الله لا يهدي من قضى بإضلاله ، والمعنى الثاني : أنّ العرب تقول : هدى الرّجل ، بمعنى اهتدى.
وقوله سبحانه : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) : الضمير في (أَقْسَمُوا) لكفّار قريش ، ثم ردّ الله تعالى عليهم بقوله : (بَلى) ، فأوجب بذلك البعث ، و (أَكْثَرَ النَّاسِ) في هذه الآية : الكفّار المكذّبون بالبعث.
وقوله سبحانه : (لِيُبَيِّنَ) : التقدير : بلى يبعثه ؛ ليبيّن لهم الذي يختلفون فيه.
وقوله سبحانه : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ ...) الآية : المقصد بهذه الآية إعلام منكري البعث بهوان أمره على الله تعالى ، وقربه في قدرته ، لا رب غيره.
(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ)(٤٧)
وقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) : هؤلاء هم الذين هاجروا إلى أرض الحبشة ، هذا قول الجمهور ، / وهو الصحيح في سبب نزول الآية ؛ لأن هجرة المدينة لم تكن وقت نزول الآية ، والآية تتناول كلّ من هاجر أولا وآخرا ، وقرأ جماعة (٢) خارج السبع : «لنثوينّهم» ، واختلف في معنى الحسنة هنا ، فقالت فرقة : الحسنة عدّة ببقعة شريفة ، وهي المدينة ، وذهبت فرقة إلى أن الحسنة عامّة في كلّ أمر
__________________
(١) وقرأ الباقون : «فإن الله لا يهدى» بضم الياء وفتح الدال ، والمعنى أي : من أضله الله لا يهديه أحد». ينظر : «السبعة» (٣٧٢) ، و «الحجة» (٥ / ٦٤) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٧٩) ، و «إعراب القراءات» (١ / ٣٥٣) ، و «حجة القراءات» (٣٨٨) ، و «العنوان» (١١٧) ، و «شرح الطيبة» (٤ / ٤١٣) ، و «شرح شعلة» (٤٥٧) ، و «إتحاف» (٢ / ١٨٤)
(٢) وقد رويت عن علي ، وابن مسعود ، ونعيم بن ميسرة ، والربيع بن خيثم. ينظر : «المحتسب» (٢ / ٩) ، و «الكشاف» (٢ / ٦٠٧) ، و «المحرر الوجيز» (٣ / ٣٩٤) ، و «البحر المحيط» (٥ / ٤٧٧) ، و «الدر المصون» (٤ / ٣٢٧)