قال* ع (١) * : ومن الرحمة والتغمّد أن يوفّق الله العبد إلى أعمال برّة ، ومقصد الحديث نفي وجوب ذلك على الله تعالى بالعقل ؛ كما ذهب إليه فريق من المعتزلة.
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٤) وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ)(٣٥)
وقوله سبحانه : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : (يَنْظُرُونَ) : معناه : ينتظرون ، و «نظر» متى كانت من رؤية العين ، فإنما تعدّيها العرب ب «إلى» ومتى لم تتعدّ ب «إلى» ، فهي بمعنى «انتظر» ؛ ومنها : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) [الحديد : ١٣] ، ومعنى الكلام : أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم ظالمي أنفسهم.
وقوله : (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) : وعيد يتضمّن قيام الساعة ، أو عذاب الدنيا ، ثم ذكر تعالى أنّ هذا كان فعل الأمم قبلهم ، فعوقبوا.
وقوله سبحانه : (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) : أي : جزاء ذلك في الدنيا والآخرة ، و (حاقَ) : معناه : نزل وأحاط.
وقوله سبحانه : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ...) الآية : تقدّم تفسير نظيرها في «الأنعام» ، وقولهم : (وَلا حَرَّمْنا) : يريد : من البحيرة والسّائبة والوصيلة وغير ذلك.
(وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦) إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٧) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (٣٩) إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(٤٠)
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٣٩١)