الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ (٣١) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٣٢)
وقوله سبحانه : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ...) الآية : لما وصف سبحانه مقالة الكفّار الذين قالوا : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ...) [النحل : ٢٤] عادل ذلك بذكر مقالة المؤمنين من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وأوجب لكلّ فريق ما يستحقّ ، وقولهم : (خَيْراً) جواب بحسب السؤال ، واختلف في قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ...) إلى آخر الآية ، هل هو ابتداء كلام أو هو تفسير ل «الخير» الذي أنزل الله في الوحي على نبيّنا خبرا أنّ من أحسن في الدنيا بالطّاعة ، فله حسنة في الدنيا ونعيم في الآخرة ، وروى أنس بن مالك ، أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله لا يظلم المؤمن حسنة ؛ يثاب عليها الرّزق في الدّنيا ، ويجزى بها في الآخرة» (١).
وقوله سبحانه : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها ...) الآية : تقدّم تفسير نظيرها ، و (طَيِّبِينَ) : عبارة عن صالح حالهم ، واستعدادهم للموت ، و «الطّيّب» ؛ الذي لا خبث معه ، وقول الملائكة : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) : بشارة من الله تعالى ، / وفي هذا المعنى أحاديث صحاح يطول ذكرها ، وروى ابن المبارك في «رقائقه» عن محمد بن كعب القرظيّ قال : إذا استنقعت نفس العبد المؤمن ، جاءه ملك ، فقال : السلام عليك ، وليّ الله ، الله يقرىء عليك السّلام ، ثمّ نزع بهذه الآية : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ...) انتهى. (٢).
وقوله سبحانه : (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) : علّق سبحانه دخولهم الجنّة بأعمالهم ؛ من حيث جعل الأعمال أمارة لإدخال العبد الجنّة ، ولا معارضة بين الآية ، وقوله صلىاللهعليهوسلم : «لا يدخل أحد الجنّة بعمله!» قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : «ولا أنا إلّا أن يتغمّدني الله بفضل منه ورحمة» (٣) ، فإن الآية تردّ بالتأويل إلى معنى الحديث.
__________________
(١) أخرجه مسلم (٤ / ٢١٦٢) كتاب «صفات المنافقين وأحكامهم» باب : جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا ، حديث (٥٦ / ٢٨٠٨) ، وأحمد (٣ / ١٢٥)
(٢) أخرجه الطبري (٧ / ٥٨٠) برقم : (٢١٥٧٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢١٩) ، وعزاه لابن أبي مالك ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ في «العظمة» ، وأبي القاسم بن منده في كتاب «الأحوال» ، والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٣) تقدم تخريجه.