عبّاس وغيره من المفسّرين (١) : الإشارة ب (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) إلى نمروذ الذي بنى صرحا ؛ ليصعد فيه إلى السماء بزعمه ، فلما أفرط في علوّه ، وطوّله في السماء فرسخين ؛ على ما حكى النّقّاش ، بعث الله عليه ريحا ، فهدمته ، وخرّ سقفه عليه ، وعلى أتباعه ، وقيل : إن جبريل هدمه بجناحه ، وألقى أعلاه في البحر ، وانجعف من أسفله ، وقالت فرقة : المراد ب (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : جميع من كفر من الأمم المتقدّمة ، ومكر ، ونزلت به عقوبة ، وقوله ؛ على هذا : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ ...) إلى آخر الآية ، تمثيل وتشبيه ، أي : حالهم كحال من فعل به هذا.
وقوله : (يُخْزِيهِمْ) : لفظ يعمّ جميع المكاره التي تنزل بهم ؛ وذلك كلّه راجع إلى إدخالهم النّار ، ودخولهم فيها.
و (تُشَاقُّونَ) : معناه : تحاربون ، أي : تكونون في شقّ ، والحقّ في شقّ ، و (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) : هم الملائكة فيما قال بعض المفسّرين ، وقال يحيى بن سلام : هم المؤمنون.
قال* ع (٢) * : والصواب أن يعمّ جميع من آتاه الله علم ذلك من ملائكة وأنبياء وغيرهم ، وقد تقدّم تفسير الخزي ، وأنه الفضيحة المخجلة ، وفي الحديث : «إنّ العار والتّخزية لتبلغ من العبد في المقام بين يدي الله تعالى ما أن يتمنّى أن ينطلق به إلى النّار وينجو من ذلك المقام» (٣) أخرجه البغويّ في «المسند المنتخب» له. انتهى من «الكوكب الدري».
وقوله سبحانه : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) : (الَّذِينَ) : نعت للكافرين ؛ في قول أكثر المتأوّلين ، و (الْمَلائِكَةُ) يريد القابضين لأرواحهم ، و (السَّلَمَ) ؛ هنا : الاستسلام ، واللام في قوله : (فَلَبِئْسَ) لام تأكيد ، والمثوى : موضع الإقامة.
(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ٥٧٧) برقم : (٢١٥٦٧) ، وذكره البغوي (٣ / ٦٦) ، وابن عطية (٣ / ٣٨٨) ، وابن كثير في «تفسيره» (٢ / ٥٦٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢١٨) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٣٨٩)
(٣) أخرجه ابن عدي في «الكامل» (٦ / ٢٠٣٩)