وقوله : (لا جَرَمَ) عبّرت فرقة من اللّغويّين عن معناها ب «لا بدّ ولا محالة» ، وقالت فرقة : معناها : حق أن الله ، ومذهب سيبويه أنّ «لا» نفي لما تقدّم من الكلام ، و «جرم» : معناه : وجب أو حقّ ونحوه ، هذا مذهب الزّجّاج (١) ، ولكن مع مذهبهما ، «لا» ملازمة ل «جرم» لا تنفكّ هذه من هذه.
وقوله سبحانه : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) : عامّ في الكافرين والمؤمنين يأخذ كلّ أحد منهم بقسطه ، قال الشيخ العارف بالله عبد الله بن أبي جمرة رحمهالله موت النفوس حياتها ، من أحبّ أن يحيا يموت ، ببذل أهل التوفيق نفوسهم وهوانها عليهم ، نالوا ما نالوا ، وبحبّ أهل الدنيا نفوسهم هانوا وطرأ عليهم الهوان هنا وهناك ، وقد ورد في الحديث : «أنّه ما من عبد إلا وفي رأسه حكمة بيد ملك ، فإن تعاظم ، وارتفع ، ضرب الملك في رأسه ، وقال له : اتّضع وضعك الله ، وإن تواضع رفعه الملك ، وقال له : ارتفع ، رفعك الله» ، منّ الله علينا بما به يقرّبنا إليه بمنّه (٢). انتهى.
وقوله سبحانه : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) : يعني : كفّار قريش : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ...) الآية ، يقال : إن سببها النضر بن الحارث ، واللام في قوله : (لِيَحْمِلُوا) يحتمل أن تكون لام العاقبة ، ويحتمل أن تكون لام كي ، ويحتمل أن تكون لام الأمر ؛ على معنى الحتم عليهم والصّغار الموجب لهم.
وقوله / سبحانه : (وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) : «من» : للتبعيض ؛ وذلك أن هذا الرأس المضلّ يحمل وزر نفسه ووزرا من وزر كلّ من ضلّ بسببه ، ولا ينقص من أوزار أولئك شيء ، والأوزار هي الأثقال.
(قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)(٢٩)
وقوله سبحانه : (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ ...) الآية : قال ابن
__________________
(١) ينظر : «معاني القرآن» (٣ / ١٩٤)
(٢) أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (٤ / ٤٠٢) ، عن أنس بن مالك ، وذكره الهندي في «كنز العمال» (٥٧٤٤) ، وعزاه إلى ابن صصرى في «أماليه».