من أمر الله على صور بني آدم ، وما ينزل من السماء ملك إلا ومعه روح ؛ كالحفيظ عليه ، لا يتكلّم ولا يراه ملك ، ولا شيء مما خلق الله ، وعن مجاهد : الرّوح : خلق من خلق الله ، لهم أيد وأرجل (١). انتهى ، والله أعلم بحقيقة ذلك ، وهذا أمر لا يقال بالرأي ، فإن صحّ فيه شيء عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وجب الوقوف عنده انتهى ، و «من» في قوله : (مَنْ يَشاءُ) هي للأنبياء.
وقوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) : يريد ب «الإنسان» الجنس ، وقوله : (خَصِيمٌ) يحتمل أن يريد به الكفرة الذين يجادلون في آيات الله ؛ قاله (٢) الحسن البصريّ ، ويحتمل أن يريد أعمّ من هذا ، على أن الآية تعديد نعمة الذّهن والبيان على البشر.
(وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٧) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨) وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(١٢)
وقوله سبحانه : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) : ال (دِفْءٌ) : السّخانة ، وذهاب البرد بالأكسية ونحوها ، وقيل : ال (دِفْءٌ) : تناسل الإبل ، وقال ابن عبّاس : هو نسل كلّ شيء (٣) ، والمعنى الأول هو الصحيح ، والمنافع : ألبانها وما تصرّف منها ، وحرثها والنّضح عليها وغير ذلك.
وقوله : (جَمالٌ) ، أي : في المنظر ، و (تُرِيحُونَ) : معناه : حين تردّونها وقت الرّواح إلى المنازل ، و (تَسْرَحُونَ) : معناه : تخرجونها غدوة إلى السّرح ، و «الأثقال» :
الأمتعة ، وقيل : الأجسام ؛ كقوله : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) [الزلزلة : ٢] أي : أجساد بني آدم ، وسمّيت الخيل خيلا ؛ لاختيالها في مشيتها.
__________________
ـ لآدم بن إياس ، وسعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي.
(١) أخرجه الطبري (٧ / ٥٥٨) برقم : (٢١٤٥٤) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٠٥) ، وعزاه لابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.
(٢) ذكره ابن عطية (٣ / ٣٧٩)
(٣) أخرجه الطبري (٧ / ٥٦٠) برقم : (٢١٤٦٤) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٣ / ٣٧٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» ، وعزاه لعبد الرزاق ، والفريابي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.