* ت* : ويجب على من ملكه الله شيئا من هذا الحيوان أن يرفق به ، ويشكر الله تعالى على هذه النعمة التي خوّلها ، وقد روى مالك في «الموطّأ» عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك ، عن خالد بن معدان يرفعه ، قال : «إن الله رفيق يحبّ الرّفق ، ويرضاه ، ويعين عليه ما لا يعين على العنف ، فإذا ركبتم هذه الدوابّ العجم ، فأنزلوها منازلها ، فإن كانت الأرض جدبة ، فانجوا عليها بنقيها (١) ، وعليكم بسير اللّيل ؛ فإن الأرض تطوى باللّيل ما لا تطوى بالنهار ، وإياكم والتّعريس على الطريق ؛ فإنها طرق الدّواب ، ومأوى الحيّات» (٢).
قال أبو عمر في «التمهيد» : هذا الحديث يستند عن / النبيّ صلىاللهعليهوسلم من وجوه كثيرة ، فأمّا «الرفق» ، فمحمود في كلّ شيء ، وما كان الرفق في شيء إلّا زانه ، وقد روى مالك بسنده عن عائشة ، وعن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، قال : «إنّ الله عزوجل يحبّ الرّفق في الأمر كلّه» (٣) ، وأمر المسافر في الخصب بأن يمشي رويدا ، ويكثر النزول ، لترعى دابته ، فأما الأرض الجدبة ، فالسّنّة للمسافر أن يسرع السير ؛ ليخرج عنها ، وبدابّته شيء من الشّحم والقوّة ، و «النّقي» في كلام العرب : الشّحم والودك. انتهى.
وروى أبو داود عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «إيّاكم أن تتّخذوا ظهور دوابّكم منابر ، فإنّ الله إنّما سخّرها لكم لتبلّغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلّا بشقّ الأنفس ، وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجاتكم» انتهى (٤).
وقوله سبحانه : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) : عبرة منصوبة على العموم ، أي : إنّ مخلوقات الله من الحيوان وغيره لا يحيط بعلمها بشر ، بل ما يخفى عنه أكثر مما يعلمه.
وقوله سبحانه : (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ...) الآية : هذه أيضا من أجلّ نعم الله تعالى ، أي : على الله تقويم طريق الهدى ، وتبيينه بنصب الأدلّة ، وبعث الرسل ، وإلى هذا ذهب المتأولون ، ويحتمل أن يكون المعنى : أنّ من سلك السبيل القاصد ، فعلى الله ،
__________________
(١) النّقو : عظم العضد ، وقيل : كل عظم فيه مخ.
ينظر : «لسان العرب» (٤٥٣٢)
(٢) أخرجه مالك في «الموطأ» (٢ / ٩٧٩) كتاب «الاستئذان» باب : ما يؤمر به من العمل في السفر ، حديث (٣٨)
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) أخرجه أبو داود (٢ / ٣٢) كتاب «الجهاد» باب : في الوقوف على الدابة ، حديث (٢٥٦٧) ، والبيهقي (٥ / ٢٥٥) من حديث أبي هريرة.