بالباء المضمومة والشين الساكنة ، وروي عنه «بشرا» بضم الباء والشين ، ومن جمع الريح في هذه الآية ، فهو أسعد ؛ وذلك أن الرّياح حيث وقعت في القرآن فهي مقترنة بالرحمة ، كقوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) [الروم : ٤٦] وأكثر ذكر الريح مفردة إنما هو بقرينة عذاب ، كقوله سبحانه : (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) [الذاريات : ٤١] وقد تقدم إيضاح هذا في «سورة البقرة».
ومن قرأ في هذه الآية «الريح» بالإفراد ، فإنما يريد به اسم الجنس ، وأيضا فتقييدها ب «بشرا» يزيل الاشتراك.
والإرسال في الريح هو بمعنى الإجراء ، والإطلاق ، وبشرا ، أي : تبشر السحاب ، وأما «بشرا» بضم الباء والشين ، فجمع بشير ، كنذير ونذور ، والرحمة في هذه الآية المطر ، و (بَيْنَ يَدَيْ) ، أي : أمام رحمته وقدامها ، و (أَقَلَّتْ) معناه : رفعته من الأرض ، واستقلّت به ، و (ثِقالاً) معناه من الماء ، والعرب تصف السحاب بالثّقل ، والرّيح تسوق السحاب من ورائه فهو سوق حقيقة ، والضمير في (سُقْناهُ) عائد على السحاب ، ووصف البلد بالموت استعارة بسبب شعثه وجدوبته.
والضمير في قوله (فَأَنْزَلْنا بِهِ) يحتمل أن يعود على السحاب ، أي منه ، ويحتمل أن يعود على البلد ، ويحتمل أن يعود على الريح.
وقوله تبارك وتعالى : (كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى) يحتمل مقصدين :
أحدهما : أن يراد كهذه / القدرة العظيمة هي القدرة على إحياء الموتى ، وهذا مثال لها.
الثاني : أن يراد أن هكذا نصنع بالأموات من نزول المطر عليهم ، حتى يحيوا به ، حسب ما وردت به الآثار ، فيكون الكلام خبرا لا مثالا.
وقوله سبحانه : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ ...) آية متمّمة للمعنى الأول في الآية قبلها ، معرفة بعادة الله سبحانه في إنبات الأرضين ، فمن أراد أن يجعلها مثالا لقلب المؤمن ، وقلب الكافر ، كما هو محكي عن ابن عبّاس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي (١) ، فذلك مترتب ، لكن ألفاظ الآية لا تقتضي أن المثل قصد به ذلك ، والطيب : هو الجيّد التّراب الكريم الأرض وخص بإذن ربه مدحا وتشريفا ، وهذا كما تقول لمن تغضّ منه : أنت
__________________
(١) أخرجه الطبري (٥ / ٥١٩) برقم : (١٤٧٩٤) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤١٤) ، وذكره ابن كثير (٢ / ٢٢٢)