وجاهل وفاسق ؛ الذين هم أهون خلقه عليه ، ويصرفه عن كلّ نبيّ وصفيّ وصدّيق وعالم وعابد ؛ الذين هم أعزّ خلقه عليه ؛ حتى إنهم لا يكادون يصيبون كسرة وخرقة ، ويمنّ عليهم سبحانه بألّا يلطخهم بقذرها ، انتهى.
وقال ابن العربيّ في «أحكامه» (١) : قوله تعالى : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) : المعنى : أعطيناك الآخرة ، فلا تنظر إلى الدنيا ، وقد أعطيناك العلم ، فلا تتشاغل / بالشهوات ، وقد منحناك لذّة القلب ، فلا تنظر إلى لذة البدن ، وقد أعطيناك القرآن ، فاستغن به ، فمن استغنى به ، لا يطمح بنظره إلى زخارف الدنيا ، وعنده معارف المولى ، حيي بالباقي ، وفني عن الفاني. انتهى.
وقوله سبحانه : (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ).
قال* ع (٢) * : والذي أقول به في هذا : أنّ المعنى : وقل أنا نذير ، كما قال قبلك رسلنا ، ونزّلنا عليهم كما أنزلنا عليك ، واختلف في (الْمُقْتَسِمِينَ) ، من هم؟ فقال ابن عباس ، وابن جبير : «المقتسمون» : هم أهل الكتاب الذين فرّقوا دينهم ، وجعلوا كتاب الله أعضاء ، آمنوا ببعض ، وكفروا ببعض ؛ وقال نحوه مجاهد (٣) ، وقالت فرقة : «المقتسمون» : هم كفّار قريش جعلوا القرآن سحرا وشعرا وكهانة ، وجعلوه أعضاء بهذا التقسيم ، وقالت فرقة : «عضين» : جمع عضة ، وهي اسم للسحر خاصّة بلغة قريش ؛ وقاله عكرمة (٤).
* ت* : وقال الواحديّ : كما أنزلنا عذابا على المقتسمين الذين اقتسموا طرق مكّة يصدّون الناس عن الإيمان. انتهى من «مختصره».
(فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ
__________________
(١) ينظر : «أحكام القرآن» (٣ / ١١٣٦)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٣٧٤)
(٣) أخرجه الطبري (٧ / ٥٤٣) برقم : (٢١٣٦٨) ، وبرقم : (٢١٣٧٢) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٣٧٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٢ / ٥٥٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٩٨) ، وعزاه للبخاري ، وسعيد بن منصور ، والحاكم ، والفريابي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه.
(٤) أخرجه الطبري (٧ / ٥٤٧) برقم : (٢١٣٩٢) ، وبرقم : (٢١٣٧٢) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٣٧٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٢ / ٥٥٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٩٨) ، وعزاه لسعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن جرير.