الْيَقِينُ)(٩٩)
وقوله سبحانه : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ...) الآية : ضمير عامّ ، ووعيد محض ، يأخذ كلّ أحد منه بحسب جرمه وعصيانه ، فالكافر يسأل عن التوحيد والرسالة ، وعن كفره وقصده به ، والمؤمن العاصي يسأل عن تضييعه ، وكلّ مكلّف عما كلّف القيام به ؛ وفي هذا المعنى أحاديث ، قال ابن عباس في هذه الآية يقال لهم : لم عملتم كذا وكذا ، قال : وقوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) [الرحمن : ٣٩] : معناه : لا يقال له : ماذا أذنبت ، لأنّ الله تعالى أعلم بذنبه منه (١) ، وقوله سبحانه : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) : «اصدع» : معناه : أنفذ ، وصرّح بما بعثت به.
وقوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) : من آيات المهادنة التي نسختها آية السّيف (٢) ؛ قاله ابن عباس ، ثم أعلمه الله تعالى بأنه قد كفاه المستهزئين به من كفّار مكّة ببوائق أصابتهم من الله تعالى.
قال ابن إسحاق وغيره : وهم الذين قذفوا في قليب بدر ؛ كأبي جهل وغيره. انتهى.
وقوله سبحانه : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ) : آية تأنيس للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، و (الْيَقِينُ) ؛ هنا : الموت ؛ قاله ابن (٣) عمر وجماعة ، قال الداوديّ : وعن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ أنه قال : «ما أوحي إليّ أن أجمع المال ، وأكون من التّاجرين ، ولكن أوحي إليّ أن سبّح بحمد ربّك وكن من السّاجدين ، واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين (٤). انتهى ، وباقي الآية بيّن ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما.
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ٥٤٨) برقم : (٢١٤٠٣) ، وذكره البغوي (٣ / ٥٨) ، وابن عطية (٣ / ٣٧٥) ، وابن كثير في «تفسيره» (٢ / ٥٥٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٩٩) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في «البعث».
(٢) أخرجه الطبري (٧ / ٥٥٠) برقم : (٢١٤١٥) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٣٧٥)
(٣) ذكره ابن عطية (٣ / ٣٧٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٠٣) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وابن جرير.
(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٠٣) ، وعزاه لسعيد بن منصور ، وابن المنذر ، والحاكم في «التاريخ» ، وابن مردويه ، والديلمي.