فاستظلّوا بها ، فأمطرت عليهم نارا ، وحكى (١) الطبريّ قال : بعث شعيب إلى أمّتين ، فكفرتا ، فعذّبتا بعذابين مختلفين : أهل مدين عذّبوا بالصيحة ، وأصحاب الأيكة بالظّلّة (٢).
وقوله : (وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) : الضمير في «إنهما» : يحتمل أن يعود على مدينة قوم لوط ، ومدينة أصحاب الأيكة ، ويحتمل أن يعود على لوط وشعيب عليهماالسلام ، أي : إنهما على طريق من الله وشرع مبين ، و «الإمام» ، في كلام العرب : الشيء الذي يهتدى به ، ويؤتمّ به ؛ فقد يكون الطريق ، وقد يكون الكتاب ، وقد يكون الرّجل المقتدى به ، ونحو هذا ، ومن رأى عود الضمير على المدينتين ، قال : «الإمام» : الطريق ، وقيل على ذلك الكتاب الذي سبق فيه إهلاكهما ، و (أَصْحابُ الْحِجْرِ) : هم ثمود ، وقد تقدّم قصصهم ، و «الحجر» : مدينتهم ، وهي ما بين المدينة وتبوك ، وقال : (الْمُرْسَلِينَ) ؛ من حيث يلزم من تكذيب رسول واحد تكذيب الجميع ، إذ القول في المعتقدات واحد.
وقوله : (يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ) : «النحت» : النّقر بالمعاول ، و «آمنين» : قيل : معناه : من انهدامها ، وقيل : من حوادث الدنيا ، وقيل : من الموت ؛ لاغترارهم بطول الأعمار ، وأصحّ ما يظهر في ذلك ؛ أنهم كانوا يأمنون عواقب / الآخرة ، فكانوا لا يعملون بحسبها.
(وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)(٨٧)
(وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) ، أي : لم تخلق عبثا ولا سدّى ، (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) ، أي : فلا تهتمّ يا محمّد بأعمال الكفرة ؛ فإن الله لهم بالمرصاد ، وقوله عزوجل ؛ (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) : ذهب ابن مسعود وغيره إلى أن السبع المثاني هنا هي السبع الطّوال : «البقرة» ، و «ال عمران» ، و «النساء» ، و «المائدة» ، و «الأنعام» ، و «المص» ، و «الأنفال» مع «براءة» (٣) ، وذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم
__________________
(١) ينظر : «تفسير الطبري» (٧ / ٥٣٠)
(٢) الظّلّة : سحابة أنشأها الله تعالى كان فيها عذاب مدين ؛ قيل : أصابهم ذلك اليوم حرّ عظيم إلى أن كادوا يهلكون ، فأرسل الله ظلة كثيفة ، أي : سحابة متراكمة ، فهرعوا إليها يستجيرون بها من الحر ، فلما تكاملوا تحتها أطبقت عليهم بعذابها ، فلم ير يوم مثله.
ينظر : «عمدة الحفاظ» (٣ / ١٠)
(٣) أخرجه الطبري (٧ / ٥٣٣) برقم : (٢١٢٨١) بنحوه وذكره ابن عطية (٣ / ٣٧٣) ، وابن كثير في «تفسيره» (٢ / ٥٥٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٩٦) ، وعزاه لابن جرير.