و «المتوسمين» : قال مجاهد : المتفرّسون (١) ، وقال أيضا : المعتبرون (٢) ، وقيل غير هذا ، وهذا كلّه تفسير بالمعنى ، وأما تفسير اللفظة ، فالمتوسّم هو الذي ينظر في وسم المعنى ، فيستدلّ به على المعنى ، وكأن معصية هؤلاء أبقت من العذاب والإهلاك وسما ، فمن رأى الوسم ، استدلّ على المعصية به واقتاده النظر إلى تجنّب المعاصي ؛ لئلا ينزل به ما نزل بهم ؛ ومن الشّعر في هذه اللفظة قول الشاعر : [الطويل]
توسّمته لمّا رأيت مهابة |
|
عليه وقلت المرء من آل هاشم (٣) |
والضمير في قوله : (وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) : يحتمل أن يعود على المدينة المهلكة ، أي : أنها في طريق ظاهر بيّن للمعتبر ، وهذا تأويل مجاهد وغيره (٤) ، ويحتمل أن يعود على الآيات ، ويحتمل أن يعود على الحجارة ، ويقوّيه ما روي عنه صلىاللهعليهوسلم ؛ أنّه قال : «إنّ حجارة العذاب معلّقة بين السّماء والأرض منذ ألفي سنة لعصاة أمّتي».
(وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (٧٨) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (٧٩) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠) وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٨١) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٨٤)
وقوله سبحانه : (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) : (الْأَيْكَةِ) : الغيضة والشجر الملتفّ المخضرّ ، قال الشاعر : [الطويل]
ألا إنّما الدّنيا غضارة أيكة |
|
إذا اخضرّ منها جانب جفّ جانب (٥) |
وكان هؤلاء قوما يسكنون غيضة ، ويرتفقون بها في معايشهم ، فبعث إليهم شعيب ، فكفروا به ، فسلّط الله عليهم الحرّ ، فدام عليهم سبعة أيام ، ثم رأوا سحابة ، فخرجوا ،
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ٥٢٧) ، وذكره البغوي (٣ / ٥٥) ، وابن عطية (٣ / ٣٧٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» وعزاه لابن جرير وابن المنذر.
(٢) ذكر السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٩٢) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ في «العظمة».
(٣) ينظر : «البحر المحيط» (٥ / ٤٤٤) ، والقرطبي (١٠ / ٤٣) ، و «الدر المصون» (٤ / ٣٠٥) ، و «روح المعاني» (١٤ / ٧٤)
(٤) أخرجه الطبري (٧ / ٥٢٩) برقم : (٢١٢٥٦) ، وذكره البغوي (٣ / ٥٥) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٣٧٠) ، وابن كثير في «تفسيره» (٢ / ٥٥٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٩٣) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٥) البيت من شواهد «المحرر الوجيز» (٣ / ٣٧١)