أجناس (١).
قال* ع (٢) * : والمراد بهذه الخلقة إبليس أبو الجنّ ، وقوله : (مِنْ قَبْلُ) ؛ لأن إبليس خلق قبل آدم بمدّة ، و (السَّمُومِ) ؛ في كلام العرب : إفراط الحرّ حتى يقتل : من نار ، أو شمس ، أو ريح ، وأمّا إضافة «النار» إلى «السموم» في هذه الآية ، فيحتمل أن تكون النار أنواعا ، ويكون السموم أمرا يختصّ بنوع منها ، فتصحّ الإضافة حينئذ ، وإن لم يكن هذا ، فيخرج هذا على قولهم : «مسجد الجامع ، ودار الآخرة» ؛ على حذف مضاف.
قوله عزوجل : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) :
أخبر الله سبحانه الملائكة بعجب عندهم ، وذلك أنهم كانوا مخلوقين من نور ، فهي مخلوقات لطاف ، فأخبرهم سبحانه أنه يخلق جسما حيّا ذا بشرة ، وأنه يخلقه من صلصال ، والبشرة هي وجه الجلد في الأشهر من القول ، وقوله : (مِنْ رُوحِي) : إضافة خلق وملك إلى خالق ومالك ، وقول إبليس : (لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ ...) الآية : ليس إباءته نفس كفره عند الحذّاق ؛ لأن إباءته إنما هي معصية فقط ، وإنما كفره بمقتضى قوله ، وتعليله ، إذ يقتضي أنّ الله خلق خلقا مفضولا ، وكلّف خلقا أفضل منه ؛ أن يذلّ له ، فكأنه قال : وهذا جور ، وقد تقدّم تفسير أكثر هذه المعاني.
(قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)(٤٠)
وقوله عزوجل : (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ...) الآية : قوله : (بِما أَغْوَيْتَنِي) : قال أبو عبيدة وغيره : أقسم بالإغواء (٣).
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ٥١٤) برقم : (٢١١٧٠) ، وذكره البغوي (٤٩١٣) بنحوه ، وابن عطية (٣ / ٣٥٩)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٣٥٩)
(٣) ذكره ابن عطية (٣ / ٣٦٢)