وانخراقه ، ويحتمل أن تكون في اضطراب أفئدتهم وجيشانها في صدورهم ، وأنها تذهب وتجيء وتبلغ على ما روي حناجرهم ، فهي في ذلك كالهواء الذي هو أبدا في اضطراب.
وقوله سبحانه : (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) : المراد باليوم : يوم القيامة ، ونصبه على أنه مفعول ب «أنذر» ، ولا يجوز أن يكون ظرفا ، لأن القيامة ليست بموطن إنذار ، قال الشيخ العارف بالله عبد الله بن أبي جمرة : يجب التصديق بكلّ ما أخبر الله ورسوله به ، ولا يتعرّض إلى الكيفيّة في كلّ ما جاء من أمر الساعة وأحوال يوم القيامة ، فإنه أمر لا تسعه العقول ، وطلب الكيفيّة فيه ضعف في الإيمان ، وإنما يجب الجزم بالتصديق بجميع ما أخبر الله به ، انتهى.
قال الغزّاليّ : فأعلم العلماء وأعرف الحكماء ينكشف له عقيب الموت من العجائب والآيات ما لم يخطر قطّ بباله ، ولا اختلج به ضميره ، فلو لم يكن للعاقل همّ ولا غمّ ، إلا التفكّر في خطر تلك الأحوال ، وما الذي ينكشف عنه الغطاء من شقاوة لازمة ، أو سعادة دائمة / لكان ذلك كافيا في استغراق جميع العمر ، والعجب من غفلتنا ، وهذه العظائم بين أيدينا. انتهى من «الإحياء».
وقوله : (أَوَلَمْ تَكُونُوا ...) الآية : معناه : يقال لهم ، وقوله : (ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) : هو المقسم عليه ، وهذه الآية ناظرة إلى ما حكى الله سبحانه عنهم في قوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) [النحل : ٣٨].
(وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦) فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ)(٤٧)
وقوله سبحانه : (وَسَكَنْتُمْ ...) الآية : المعنى : بقول الله عزوجل : وسكنتم أيها المعرضون عن آيات الله من جميع العالم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم بالكفر من الأمم السّالفة ، فنزلت بهم المثلات ، فكان حقّكم الاعتبار والاتعاظ. وقوله : (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) : أي : جزاء مكرهم ، وقرأ السبعة سوى الكسائي (١) : «وإن كان مكرهم لتزول»
__________________
(١) ومعنى قراءة الكسائي حينئذ : وقد كان مكرهم يبلغ في المكيدة إلى إزالة الجبال ، غير أن الله ناصر دينه ، ومزيل مكر الكفار وماحقه ، وحجته قراءة علي وابن مسعود : «وإن كاد مكرهم لتزول» ، بالدال ، واللام في قراءة الجمهور لام الجحود ، والمعنى : ما كان مكرهم ليزول به أمر النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأمر دين الإسلام. وحجتهم ما روي عن الحسن : «كان مكرهم أوهن وأضعف من أن تزول منه الجبال».
ينظر : «السبعة» (٣٦٣) ، و «الحجة» (٥ / ٣١) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٦٥) ، و «إعراب القراءات» (١ / ـ