فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ)(٤٤)
وقوله عزوجل : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ ...) الآية : هذه الآية بجملتها فيها وعيد للظالمين ، وتسلية للمظلومين ، والخطاب بقوله : (تَحْسَبَنَ) للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، و (تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) ، معناه : تحدّ النظر ، لفرط الفزع ولفرط ذلك يشخص المحتضر ، و «المهطع» المسرع في مشيه ؛ قاله ابن جبير وغيره (١) ، وذلك بذلّة واستكانة ، كإسراع الأسير ونحوه ، وهذا أرجح الأقوال ، وقال ابن عباس وغيره : الإهطاع شدّة النظر من غير أن يطرف (٢) ، وقال ابن زيد : «المهطع» : الذي لا يرفع رأسه (٣) ، قال أبو عبيدة : قد يكون : الإهطاع للوجهين جميعا : الإسراع ، وإدامة النّظر (٤) ، و «المقنع» : هو الذي يرفع رأسه قدما بوجهه نحو الشيء ، ومن ذلك قول الشاعر : [الوافر]
يباكرن العضاه بمقنعات |
|
نواجذهنّ كالحدإ الوقيع (٥) |
يصف الإبل عند رعيها أعالي الشّجر ، وقال الحسن في تفسير هذه الآية : وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد (٦) ، وذكر المبرّد فيما حكى عنه مكّيّ : أن الإقناع يوجد في كلام العرب بمعنى : خفض الرأس من الذّلّة.
قال* ع (٧) * : والأول أشهر.
وقوله سبحانه : (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) ؛ أي : لا يطرفون من الحذر والجزع وشدّة الحال.
وقوله : (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) : تشبيه محض ، وجهة التشبيه يحتمل أن تكون في فراغ الأفئدة من الخير والرّجاء والطمع في الرحمة ، فهي متخرّقة مشبهة الهواء في تفرّغه من الأشياء ،
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٣ / ٣٤٤)
(٢) أخرجه الطبري (٧ / ٤٦٨) برقم : (٢٠٨٧١) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٣٤٤) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٦٣) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه الطبري (٧ / ٤٦٩) برقم : (٢٠٨٧٩) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٣٤٤)
(٤) ذكره ابن عطية (٣ / ٣٤٤)
(٥) البيت للشماخ ينظر : «ديوانه» ص : (٢٢٠) ، و «اللسان» [قنع] ، و «المخصص» (١ / ١٤٦) ، و «التاج» حدأ ، نجذ ، قنع. والحدأة : بفتح الحاء : الفأس لها رأسان ، و «مجاز القرآن» (١ / ٣٤٣) ، والطبري (١٣ / ١٤٢)
(٦) ذكره البغوي (٣ / ٣٩) ، وابن عطية (٣ / ٣٤٤)
(٧) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٣٤٤)