ماء زمزم كثيرا ، وكلّما شربت ، نويت به العلم والإيمان ، ونسيت أن أشربه للعمل ، ففتح لي في العلم ، ويا ليتني شربته لهما معا ؛ حتى يفتح لي فيهما ، ولم يقدّر ، فكان صغوي إلى العلم أكثر منه إلى العمل ، انتهى من «الأحكام».
و «من» ؛ في قوله : و (مِنْ ذُرِّيَّتِي) ؛ للتبعيض ؛ لأن إسحاق كان بالشّام ، و «الوادي» : ما بين الجبلين ، وليس من شرطه أن يكون فيه ماء ، وجمعه الضمير في قوله : (لِيُقِيمُوا) : يدلّ على أن الله قد أعلمه أنّ ذلك الطّفل سيعقب هناك ، ويكون له نسل ، واللام في (لِيُقِيمُوا) : لام كي ؛ هذا هو الظاهر ، ويصحّ أن تكون لام الأمر ؛ كأنه رغب إلى الله سبحانه أن يوفّقهم لإقامة الصلاة ، و «الأفئدة» القلوب جمع فؤاد ، سمّي بذلك ، لاتّقاده ، مأخوذ من «فأد» ، ومنه : «المفتأد» ، وهو مستوقد النّار حيث يشوى اللحم.
وقوله : (مِنَ النَّاسِ) : تبعيض ، ومراده المؤمنون ، وباقي الآية بيّن.
(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ)(٤١)
وقوله : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ) : دعاء إبراهيم عليهالسلام في أمر كان مثابرا عليه ، متمسكا به ، ومتى دعا الإنسان في مثل هذا ، فإنما المقصد إدامة ذلك الأمر ، واستمراره ، قال السّهيليّ : قوله تعالى : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) بحرف التبعيض ، ولذلك أسلم بعض ذريته دون بعض ، انتهى ، وفاقا لما تقدّم الآن.
وقوله : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) : اختلف في تأويل ذلك ، فقالت فرقة : كان ذلك قبل يأسه من إيمان أبيه ، وتبيّنه أنه عدوّ لله ، فأراد أباه وأمّه ؛ لأنّها كانت مؤمنة ، وقيل : أراد آدم / ونوحا عليهماالسلام ، وقرأ الزّهريّ (١) وغيره : «ولولديّ» ؛ على أنه دعاء لإسماعيل وإسحاق ، وأنكرها عاصم الجحدريّ ، وقال : «إن في مصحف أبيّ بن كعب ولأبويّ» (٢).
(وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ
__________________
(١) وقرأ بها الحسين بن علي ، وإبراهيم النخعي ، وأبو جعفر محمد بن علي.
ينظر : «المحتسب» (١ / ٣٦٥) ، و «الكشاف» (٢ / ٥٦٢) ، وفيه الحسن بن علي بدلا من الحسين ، وينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٣٤٣) ، و «البحر المحيط» (٥ / ٤٢٣) ، و «الدر المصون» (٤ / ٢٧٦)
(٢) ينظر : «مختصر الشواذ» ص : (٧٣) ، و «الكشاف» (٢ / ٥٦٢) ، و «المحرر الوجيز» (٣ / ٣٤٣) ، و «البحر المحيط» (٥ / ٤٢٣) ، و «الدر المصون» (٤ / ٢٧٦)