لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١) [المائدة : ١١٨] ، وأسند الطبريّ (٢) عن عبد الله بن عمرو حديثا : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، تلا هاتين الآيتين ، ثم دعا لأمته فبشّر فيهم (٣) ، وكان إبراهيم التّيميّ يقول : من يأمن على نفسه بعد خوف إبراهيم الخليل على نفسه من عبادة الأصنام.
وقوله : و (مِنْ ذُرِّيَّتِي) : يريد : إسماعيل عليهالسلام ، وذلك أنّ سارّة لمّا غارت بهاجر بعد أن ولدت إسماعيل ، تشوّش قلب إبراهيم منهما ، فروي أنّه ركب البراق هو وهاجر ، والطفل ، فجاء في يوم واحد من الشام إلى بطن مكّة ، فتركهما هناك ، وركب منصرفا من يومه ذلك ، وكان ذلك كلّه بوحي من الله تعالى ، فلمّا ولى ، دعا بمضمّن هذه الآية ، وأمّا كيفيّة بقاء هاجر ، وما صنعت ، وسائر خبر إسماعيل ، ففي كتاب البخاريّ وغيره ، وفي السير ، ذكر ذلك كلّه مستوعبا.
* ت* : وفي «صحيح البخاري» من حديثه الطويل في قصّة إبراهيم مع هاجر وولدها ، لما حملهما إلى مكّة ، قال : وليس / بمكّة يومئذ أحد ، وليس فيها ماء ، فوضعهما هنالك ، ووضع عندهما جرابا فيه تمر ، وسقاء فيه ماء ، ثم قفّى إبراهيم منطلقا ، فتبعته أمّ إسماعيل ، فقالت : يا إبراهيم ، أين تذهب ، وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ، ولا شيء ، فقالت له ذلك مرارا ، وجعل لا يلتفت إليها ، فقالت له : آلله أمرك بهذا ، قال : نعم ، قالت : إذن لا يضيّعنا ، ثم رجعت ، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثّنيّة حيث لا يرونه ، استقبل بوجهه البيت ، ثم دعا بهؤلاء الدعوات ، ورفع يديه ، فقال : «ربّ (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) ، حتّى بلغ : (يَشْكُرُونَ) ...» الحديث بطوله (٤) وفي طريق : «قالت : يا إبراهيم إلى من تتركنا ، قال : إلى الله عزوجل ، قالت : رضيت. انتهى. وفي هذا الحديث من الفوائد لأرباب القلوب والمتوكّلين وأهل الثقة بالله سبحانه ما يطول بنا سردها ، فإليك استخراجها ، ولما انقطعت هاجر وابنها إلى الله تعالى ، آواهما الله ، وأنبع لهما ماء زمزم المبارك الذي جعله غذاء ، قال ابن العربي : وقد قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «ماء زمزم لما شرب له» (٥).
قال ابن العربيّ : ولقد كنت مقيما بمكّة سنة سبع وثمانين وأربعمائة ، وكنت أشرب
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ٤٦١) برقم : (٢٠٨٤٠) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٣٤١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٦٠) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٢) ينظر : «الطبري» (٧ / ٤٦١)
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤٦١) برقم : (٢٠٨٤١)
(٤) أخرجه البخاري (٦ / ٤٥٦ ، ٤٥٨) كتاب «أحاديث الأنبياء» باب : يزفون ، حديث (٣٣٦٤)
(٥) ينظر : «أحكام القرآن» (٣ / ١١٢٤)