الحواضر ، ثم أحال سبحانه على الاعتبار في الأمم السالفة ، ثم حضّ سبحانه على الآخرة ، والاستعداد لها بقوله : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ...) الآية.
قال* ص* : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) : خرّجه الكوفيّون على أنّه من إضافة الموصوف لصفته ، وأصله : «وللدّار الآخرة» ، والبصريّون على أنه عن حذف الموصوف ، وإقامة صفته مقامه ، وأصله : «ولدار المدّة الآخرة أو النشأة الآخرة». انتهى.
ويتضمّن قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ؛ أن الرسل الذين بعثهم الله من أهل القرى ، دعوا أممهم ، فلم يؤمنوا بهم ، حتى نزلت بهم المثلات ، فصاروا في حيّز من يعتبر بعاقبته ، فلهذا المضمّن حسن أن تدخل «حتى» في قوله : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ).
وقرأ نافع وابن كثير (١) وأبو عمرو وابن عامر : «وظنّوا أنّهم قد كذّبوا» / ـ بتشديد الذال ـ ، وقرأ الباقون : «كذبوا» ـ بضم الكاف ، وكسر الذال المخفّفة ، فأما الأولى ، فمعناها أنّ الرسل ظنّوا أن أممهم قد كذّبتهم ، و «الظّنّ» ؛ هنا : يحتمل أن يكون بمعنى اليقين ، ويحتمل أن يكون الظّنّ على بابه ، ومعنى القراءة الثانية ؛ على المشهور من قول ابن عباس وابن جبير : أي : حتّى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم (٢) ، وظنّ المرسل إليهم أنّ الرسل قد كذبوهم فيما ادعوه من النبوّة ، أو فيما توعّدوهم به من العذاب ، لما طال الإمهال ، واتصلت العافية ، جاءهم نصرنا.
وأسند الطبريّ (٣) أنّ مسلم بن يسار ، قال لسعيد بن جبير : يا أبا عبد الله ، آية بلغت منّي كلّ مبلغ : «حتّى إذا استيأس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا» ؛ فهذا هو الموت أن تظنّ الرسل أنهم قد كذبوا ـ مخفّفة ـ ، فقال له ابن جبير : يا أبا عبد الرحمن ، إنما يئس الرسل من قومهم ؛ أن يجيبوهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم ، فقام مسلم إلى سعيد ،
__________________
(١) ينظر : «السبعة» (٣٥١) ، و «الحجة» (٤ / ٤٤١) ، و «إعراب القراءات السبعة» (١ / ٣١٧) ، و «حجة القراءات» (٣٦٦ ـ ٣٦٧) ، و «الإتحاف» (٢ / ١٥٦) ، و «المحرر الوجيز» (٣ / ٢٨٧) ، و «البحر المحيط» (٥ / ٣٤٧) ، و «الدر المصون» (٤ / ٢١٨).
وينظر : «معاني القراءات» (٢ / ٥٢) ، و «شرح الطيبة» (٤ / ٣٨٨) ، و «العنوان» (١١١) ، و «شرح شعلة» (٤٤٢)
(٢) أخرجه الطبري (٧ / ٣١٦ ، ٣١٨) برقم : (١٩٩٨٨) وبرقم : (٢٠٠٠٨) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٢٨٨) ، والسيوطي (٤ / ٧٧) ، وعزاه لأبي عبيد ، وسعيد بن منصور ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.
(٣) أخرجه الطبري (٧ / ٣١٩) برقم : (٢٠٠١٠)