وقوله : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) عفو جميل ، وقال عكرمة : أوحى الله إلى يوسف بعفوك عن إخوتك ، رفعت لك ذكرك (١) ، و «التثريب» : اللوم والعقوبة وما جرى معهما من سوء معتقد ونحوه ، وعبّر بعض الناس عن التثريب بالتعيير ، ووقف بعض القراءة (عَلَيْكُمُ) ، وابتدأ (٢) : (الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) ؛ ووقف أكثرهم : (الْيَوْمَ) وابتدأ : (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) على جهة الدعاء وهو تأويل ابن إسحاق (٣) والطبريّ ، وهو الصحيح الراجح في المعنى ؛ لأن الوقف الآخر فيه حكم على مغفرة الله ، اللهمّ إلا أن يكون ذلك بوحي.
(اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤) قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥) فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(٩٦)
وقوله : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي) : قال النّقّاش : روي أن هذا القميص كان من ثياب الجنّة ، كساه الله إبراهيم ، ثم توارثه (٤) بنوه.
قال* ع (٥) * : هذا يحتاج إلى سند والظاهر أنه قميص يوسف كسائر القمص ، وقول يوسف : (يَأْتِ بَصِيراً) فيه دليل على أنّ هذا كلّه بوحي وإعلام من الله تعالى ، وروي أنّ يعقوب وجد ريح يوسف وبينه وبين القميص مسيرة ثمانية أيام ؛ قاله ابن عباس (٦) ، وقال : هاجت ريح ، فحملت عرفه ، وقول يعقوب : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) : مخاطبة لحاضريه ، فروي أنهم كانوا حفدته ، وقيل : كانوا بعض بنيه ، وقيل : كانوا / قرابته و (تُفَنِّدُونِ) معناه : تردّون رأيي ، وتدفعون في صدره ، وهذا هو التفنيد لغة ، قال منذر بن سعيد : يقال : شيخ مفند ، أي : قد فسد رأيه (٧) والذي يشبه أنّ تفنيدهم ليعقوب ؛ إنما كان لأنهم كانوا يعتقدون أنّ هواه قد غلبه في جانب يوسف.
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٣ / ٢٧٧)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٢٧٨) ، و «البحر المحيط» (٥ / ٣٣٨) ، و «الدر المصون» (٤ / ٢١٤)
(٣) ينظر : «الطبري» (٧ / ٢٩١)
(٤) ذكره ابن عطية (٣ / ٢٧٨)
(٥) ينظر : «المحرر» (٣ / ٢٧٨)
(٦) أخرجه الطبري (٧ / ٢٩٣) برقم : (١٩٨١٣) ، وذكره البغوي (٢ / ٤٤٨) ، وابن عطية (٣ / ٢٧٨) ، والسيوطي (٤ / ٦٦) ، وعزاه لابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.
(٧) ذكره ابن عطية (٣ / ٢٧٨)