وبالجملة ؛ فمن يسوق شيئا ، ويتلطّف في تسييره ، فقد أزجاه ، فإذا كانت الدراهم مدفوعة نازلة القدر ، تحتاج أن يعتذر معها ، ويشفع لها ، فهي مزجاة ، فقيل : كان ذلك لأنها كانت زيوفا ، قاله ابن عباس(١).
وقيل : كانت بضاعتهم عروضا ، وقولهم : (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا) : معناه ما بين الدراهم الجياد وبين هذه المزجاة ، قاله السّدّيّ وغيره (٢) وقال الداوديّ عن ابن جريج : (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا) : قال : اردد علينا أخانا ، انتهى (٣) ، وهو حسن.
(قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(٩٢)
وقوله تعالى : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) ، روي أنّ يوسف عليهالسلام لما قال له إخوته : (مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) [يوسف : ٨٨] ، واستعطفوه رقّ ورحمهم ، قال ابن إسحاق : وارفضّ دمعه باكيا ، فشرع في كشف أمره إليهم ، فروي أنه حسر قناعه ، وقال لهم : (هَلْ عَلِمْتُمْ ...) (٤) الآية ، و (ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) : أي : التّفريق بينهما في الصّغر وما نالهما بسببكم من المحن ؛ (إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) ، نسبهم إمّا إلى جهل المعصية ، وإما إلى جهل الشباب وقلّة الحنكة ، فلمّا خاطبهم هذه المخاطبة ، تنبّهوا ، ووقع لهم من الظّنّ القويّ وقرائن الحال ؛ أنه يوسف فقالوا : (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) ؛ مستفهمين ، فأجابهم يوسف كاشفا عن أمره ، (قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي) وباقي الآية بيّن.
وقوله سبحانه : (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) : هذا منهم استنزال ليوسف ، وإقرار بالذنب في ضمنه استغفار منه ، و (آثَرَكَ) : لفظ يعمّ جميع التفضيل.
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ٢٨٦) برقم : (١٩٧٤٨) نحوه ، وذكره البغوي (٢ / ٤٤٦) ، وابن عطية (٣ / ٢٧٥) ، وابن كثير (٢ / ٤٨٨) ، والسيوطي (٤ / ٦٢) ، وعزاه لأبي عبيد ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.
(٢) أخرجه الطبري (٧ / ٢٨٩) برقم : (١٩٧٨٩) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٢٧٦)
(٣) أخرجه الطبري (٧ / ٢٨٩) برقم : (١٩٧٩٣) ، وذكره البغوي (٢ / ٤٤٦) ، وابن عطية (٣ / ٢٧٦) ، والسيوطي (٤ / ٦٣) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وأبي الشيخ.
(٤) أخرجه الطبري (٧ / ٢٩١) برقم : (١٩٧٩٧) ، وذكره البغوي (٢ / ٤٤٦) ، وابن عطية (٣ / ٢٧٦)