قال : (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) ، فيحتمل أن يعود الضمير في «إنه» على الله عزوجل ، ويحتمل أن يريد العزيز سيّده ، أي : فلا يصلح لي أن أخونه ، وقد أكرم مثواي ، وائتمنني ، قال مجاهد وغيره : «ربّي» معناه سيّدي (١) وإذا حفظ الآدميّ لإحسانه فهو عمل زاك ، وأحرى أن يحفظ ربه ، والضمير في قوله : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ) مراد به الأمر والشأن فقط ، وحكى بعض المفسّرين أنّ يوسف عليهالسلام لمّا قال : معاذ الله ، ثم دافع الأمر باحتجاج وملاينة ، امتحنه الله تعالى بالهمّ بما همّ به ، ولو قال : لا حول ولا قوّة إلا بالله ، ودافع بعنف وتغيير ، لم يهمّ بشيء من المكروه.
وقوله سبحانه : (وَهَمَّ بِها) : اختلف في همّ يوسف.
قال* ع (٢) * : والذي أقول به في هذه الآية : أنّ كون يوسف عليهالسلام نبيّا في وقت هذه النازلة لم يصحّ ، ولا تظاهرت به رواية ، فإذا كان ذلك ، فهو مؤمن قد أوتي حكما وعلما ، ويجوز عليه الهمّ الذي هو إرادة الشيء دون مواقعته ، وأن يستصحب الخاطر الرديء ؛ على ما في ذلك من الخطيئة ، وإن فرضناه نبيّا في ذلك الوقت ، فلا يجوز عليه عندي إلّا الهمّ الذي هو الخاطر ، ولا يصحّ عندي شيء مما ذكر من حلّ تكّة ، ونحو ذلك ؛ لأنّ العصمة مع النبوّة ، وللهمّ بالشيء مرتبتان ، فالخاطر المجرّد دون استصحاب يجوز عليه ، ومع استصحاب لا يجوز عليه ؛ إذ الإجماع منعقد أنّ الهمّ بالمعصية واستصحاب التلذّذ بها غير جائز ، / ولا داخل في التجاوز.
* ت* : قال عياض : والصحيح إن شاء الله تنزيههم أيضا قبل النبوّة من كلّ عيب ، وعصمتهم من كلّ ما يوجب الرّيب ، ثم قال عياض بعد هذا : وأما قول الله سبحانه : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) ، فعلى طريق كثير من الفقهاء والمحدّثين ؛ أنّ همّ النفس لا يؤاخذ به ، وليس بسيّئة ، لقوله عليهالسلام عن ربّه : «إذا همّ عبدي بسيّئة ، فلم يعملها كتبت له حسنة» (٣) ؛ فلا معصية في همه إذن ، وأما على مذهب المحقّقين من الفقهاء والمتكلّمين ، فإن الهمّ إذا وطّنت عليه النفس سيئة ، وأما ما لم توطّن عليه النفس من همومها وخواطرها ، فهو المعفوّ عنه ، وهذا هو الحقّ ، فيكون إن شاء الله همّ يوسف من هذا ، ويكون قوله : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي ...) الآية [يوسف : ٥٣] : أي :
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ١٨٠) برقم : (١٩٠١٤ ـ ١٩٠١٥ ـ ١٩٠١٦) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٢٣٣) ، والسيوطي (٤ / ٢٢) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٢٣٤)
(٣) تقدم تخريجه.