وروي أنّ مدلي الدّلو كان يسمّى مالك بن دعر ، ويروى أنّ هذا الجبّ كان بالأردن على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب ، ويقال : أدلى دلوه ؛ إذا ألقاه ليستقي الماء ، وفي الكلام حذف ، تقديره : فتعلّق يوسف بالحبل ، فلما بصر به المدلي ، قال : (يا بُشْرى) ، وروي أنّ يوسف كان يومئذ ابن سبع سنين ؛ ويرجّح هذا لفظة (غُلامٌ) ؛ فإنها لما بين الحولين إلى البلوغ ، فإن قيلت فيما فوق ذلك ، فعلى استصحاب حال ، وتجوّز ، وقرأ نافع (١) وغيره : «يا بشراي» بإضافة البشرى إلى المتكلّم ، وبفتح الياء على ندائها ؛ كأنه يقول : احضري ، فهذا وقتك ، وقرأ حمزة والكسائي : «يا بشرى» ، ويميلان ولا يضيفان ، وقرأ عاصم كذلك إلّا أنه يفتح الراء ولا يميل ، واختلف في تأويل هذه القراءة ، فقال السدي : كان في أصحاب هذا الوارد رجل اسمه «بشرى» ؛ فناداه ، وأعلمه بالغلام (٢) ، وقيل : هو على نداء البشرى ؛ كما قدّمنا.
وقوله سبحانه : (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) قال مجاهد : وذلك أنّ الورّاد خشوا من تجّار الرفقة ، إن قالوا وجدناه ؛ أن يشاركوهم في الغلام الموجود ، يعني : أو يمنعوهم من تملّكه (٣) ، إن كانوا أخيارا ، فأسروا بينهم أن يقولوا : أبضعه معنا بعض أهل المصر ، و «بضاعة» : حال ، والبضاعة : القطعة من المال يتجر فيها بغير نصيب من الرّبح ؛ مأخوذ من قولهم : «بضعة» ؛ أي : قطعة ، وقيل : الضمير في «أسرّوه» يعود على إخوة يوسف.
وقوله سبحانه : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) : «شروه» ؛ هنا : بمعنى باعوه ، قال الداوديّ : وعن أبي عبيدة : (وَشَرَوْهُ) أي : باعوه ، فإذا ابتعت أنت ، قلت : اشتريت
__________________
ـ «الدر المنثور» (٤ / ٥٩) ، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق. وله شاهد من حديث ابن عمر ، بلفظ : «من كنوز البر إخفاء الصدقة وكتمان المصائب والأمراض ومن بث لم يصبر» ، ذكره السيوطي في «الدر المنثور» ، وعزاه إلى ابن عدي ، والبيهقي في «شعب الإيمان».
(١) وقراءة الباقين فيها وجهان : أحدهما : أنهم جعلوه اسم رجل ، فيكون دعا إنسانا اسمه بشرى. وحجتهم ما قد روي عن جماعة من المفسرين أنهم قالوا : كان اسمه «بشرى» ، فدعاه المستقي باسمه.
والثاني : أن يكون أضاف البشرى إلى نفسه ، ثم حذف الياء ، كما تقول : يا غلام لا تفعل ، يكون مفردا بمعنى الإضافة.
ينظر : «حجة القراءات» (٣٥٧) ، و «السبعة» (٣٤٨) ، و «الحجة» (٤ / ٤١٠) ، و «إعراب القراءات» (١ / ٣٠٦) ، و «شرح الطيبة» (٤ / ٣٨٠) ، و «العنوان» (١١٠) ، و «شرح شعلة» (٤٣٧) ، و «إتحاف» (٢ / ١٤٣)
(٢) أخرجه الطبري (٧ / ١٦٤) برقم : (١٨٨٩١) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٢٢٩)
(٣) أخرجه الطبري (٧ / ١٦٥ ـ ١٦٦) برقم : (١٨٨٩٩ ، ١٨٩٠٢) ، والبغوي في «تفسيره» (٢ / ٤١٥) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٢٢٩)