آيات : دلالته على كذبهم ، وشهادته في قدّه ، وردّ بصر يعقوب به ، ووصف الدّم بالكذب الّذي هو مصدر على / جهة المبالغة ، ثم قال لهم يعقوب : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ) ، أي : رضيت وجعلت سؤلا ومرادا (أَمْراً) ، أي : صنعا قبيحا بيوسف (١).
وقوله : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) : إما على حذف المبتدأ ، أي : فشأني صبر جميل ، وإما على حذف الخبر ، تقديره : فصبر جميل أمثل ، وجميل الصّبر : ألّا تقع شكوى إلى البشر ، وقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «من بثّ ، لم يصبر صبرا جميلا» (٢).
وقوله : (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) : تسليم لأمر الله تعالى ، وتوكّل عليه.
(وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠) وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)(٢٢)
وقوله سبحانه : (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ) : قيل : إن السيارة جاءت في اليوم الثاني من طرحه ، و «السيارة» : بتاء مبالغة للذين يردّدون السير في الطرق.
قال* ص* : و «السّيّارة» : جمع سيّار ، وهو الكثير السّير في الأرض. انتهى.
و «الوارد» : هو الذي يأتي الماء يستقي منه لجماعته ، وهو يقع على الواحد وعلى الجماعة.
__________________
ـ فتفرقا ، فأتى محيّصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحّط في دمه قتيلا ، فدفنه ، ثم قدم «المدينة» فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيّصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فذهب عبد الرحمن يتكلّم فقال صلىاللهعليهوسلم : «كبر كبر» وهو أحدث القوم ، فسكت فتكلما ، فقال : «أتحلفون وتستحقّون دم صاحبكم» ، فقالوا : كيف نحلف ولم نشهد ولم نر ، قال : «فتبرئكم يهود بخمسين يمينا» ، فقالوا له : كيف نأخذ بأيمان قوم كفّار ، فعقله النبي صلىاللهعليهوسلم من عنده.
وفي رواية متفق عليها قال صلىاللهعليهوسلم : «يقسم خمسون منكم على رجل منهم ، فيدفع برمته» ، فقالوا : أمر لم نشهده كيف نحلف؟ ، قال : «فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم» ، قالوا : يا رسول الله قوم كفار ، الحديث. فقوله صلىاللهعليهوسلم : «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم» دليل على مشروعية القسامة ، وإلى هذا ذهب جمهور الصحابة والتابعين ، والعلماء ، من «الحجاز» و «الكوفة» و «الشام» ، كما حكى ذلك القاضي عياض ، ولم يختلفوا في الجملة ، ولكن اختلفوا في التفاصيل.
(١) أخرجه الطبري (٧ / ١٦١ ـ ١٦٢) ، برقم : (١٨٨٧٢ ـ ١٨٨٧٣ ـ ١٨٨٧٤) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٢٢٧) ، وعزاه للشافعي.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٨٤) برقم : (١٩٧٣٨) ، عن مسلم بن يسار به وذكره السيوطي في ـ