وقوله : (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) : أي : بوحينا إليك هذا ، و (الْقُرْآنَ) : نعت ل «هذا» ويجوز فيه البدل ، والضمير في «قبله» : للقصص العام ؛ لما في جميع القرآن منه ، و (لَمِنَ الْغافِلِينَ) ، أي : عن معرفة هذا القصص ، وعبارة المهدويّ : قال قتادة : أي : نقصّ عليك من الكتب الماضية ، وأخبار الأمم السالفة أحسن القصص ؛ بوحينا إليك هذا القرآن ، (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) عن أخبار الأمم ، انتهى.
(إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤) قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٦)
وقوله سبحانه : (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) : قيل : إنه رأى كواكب حقيقة ، والشمس والقمر ، فتأوّلها يعقوب إخوته وأبويه ، وهذا هو قول الجمهور ، وقيل : الإخوة والأب والخالة ؛ لأنّ أمّه كانت ميّتة ، وروي أن رؤيا يوسف خرجت بعد أربعين سنة ، وقيل : بعد ثمانين سنة.
وقوله : (يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) من هنا ومن فعل إخوة يوسف بيوسف : يظهر أنّهم لم يكونوا أنبياء في ذلك الوقت ، وما وقع في «كتاب الطّبريّ» لابن زيد ؛ أنهم كانوا أنبياء يردّه القطع بعصمة الأنبياء عن الحسد الدنيوي ، وعن عقوق الآباء ، وتعريض مؤمن للهلاك ، والتآمر في قتله.
(وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) : أي : يختارك ويصطفيك.
(وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) قال مجاهد وغيره : هي عبارة الرؤيا (١) وقال الحسن : هي عواقب الأمور (٢) وقيل : هي عامّة لذلك وغيره من المغيّبات.
(وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ...) الآية : يريد بالنبوّة وما انضاف إليها من سائر النّعم ، ويروى : أنّ يعقوب علم هذا من دعوة إسحاق له حين تشبّه ب «عيصو» ، وباقي الآية بيّن.
(لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ١٥١) برقم (١٨٨٠٣) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٢٢٠) ، وابن كثير (٣ / ٤٦٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٧) ، وعزاه إلى ابن أبي شيبة ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.
(٢) ذكره ابن عطية (٣ / ٢٢٠)