وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ)(١٠)
وقوله سبحانه : (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) ؛ إذ كلّ أحد ينبغي أن يسأل عن مثل هذا القصص ، إذ هي مقرّ العبر والاتعاظ ؛ وقولهم : (وَأَخُوهُ) : يريدون به «يامين» ، وهو أصغر من يوسف ، ويقال له : «بنيامين» قيل : وهو شقيقه ، (أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا) : أي : لصغرهما وموت أمهما ، وهذا من حبّ الصغير هي فطرة البشر ، وقولهم : (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) : أي : جماعة تضرّ وتنفع ، وتحمي وتخذل ، أي : لنا كانت تنبغي المحبّة والمراعاة ، والعصبة في اللغة : الجماعة ، وقولهم : (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، أي : لفي انتلاف وخطإ في محبّة يوسف وأخيه ، وهذا هو معنى الضّلال ، وإنما يصغر قدره ، ويعظم بحسب الشّيء الذي فيه يقع الانتلاف ، و (مُبِينٍ) : معناه : ظاهر للمتأمّل ، وقولهم : (أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً) : أي : بأرض بعيدة ؛ ف «أرضا» مفعول ثان بإسقاط حرف الجرّ ، والضمير في «بعده» عائد على يوسف ، أو قتله ، أو طرحه ، و (صالِحِينَ) : قال مقاتل وغيره : إنهم أرادوا صلاح الحال عند أبيهم (١) ، والقائل منهم : «لا تقتلوه» هو : «روبيل» أسنّهم ؛ قاله قتادة (٢) وابن إسحاق ، وقيل : هو شمعون ؛ قاله مجاهد (٣) ، وهذا عطف منه على أخيه لا محالة ؛ لما أراد الله من إنفاذ قضائه ، و «الغيابة» : ما غاب عنك ، و (الْجُبِ) البئر التي لم تطو ؛ لأنها جبّت من الأرض فقط ، قال المهدويّ : والجبّ ؛ في اللغة : البئر المقطوعة التي لم تطو ، انتهى. والسيارة : جمع سيّار ، وروي أن جماعة من الأعراب التقطت يوسف عليهالسلام.
(قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (١٤) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(١٥)
وقوله سبحانه : (قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ ...) الآية المتقدّمة تقتضي أن أباهم قد كان علم منهم إرادتهم السّوء في جهة يوسف ، وهذه
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٣ / ٢٢٢)
(٢) أخرجه الطبري (٧ / ١٥٣) برقم : (١٨٨١١) ، وبرقم : (١٨٨١٢) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٢٢٢) ، والبغوي (٢ / ٤١٢)
(٣) ذكره ابن عطية (٣ / ٢٢٢)