فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ)(٣٩)
قوله سبحانه : (قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ) هذه حكاية ما يقول الله سبحانه لهم يوم القيامة ، بواسطة ملائكة العذاب ، نسأل الله العافية. وعبر عن يقول ب «قال» لتحقّق وقوع ذلك ، وصدق القصة ، وهذا كثير ، و (خَلَتْ) حكاية عن حال الدنيا ، أي : ادخلوا في النّار في جملة الأمم السابقة لكم في الدنيا الكافرة.
* ت* : وكذا قدره (١) أبو حيّان في جملة «أمم» ، قال : وقيل : «في» بمعنى «مع» أي : مع أمم ، وتقدم له في «البقرة» أن «في» تجيء للمصاحبة ، كقوله تعالى : (ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ) انتهى.
وقدم ذكر الجن ؛ لأنهم أعرق / في الكفر ، وإبليس أصل الضلال والإغواء ، وهذه الآية نص في أن كفرة الجنّ في النار ، والذي يقتضيه النظر أن مؤمنيهم في الجنّة ؛ لأنهم عقلاء ، مكلّفون ، مبعوث إليهم ، آمنوا وصدقوا ، وقد بوّب البخاري رحمهالله بابا في ذكر الجن ، وثوابهم ، وعقابهم.
وذكر عبد الجليل : أن مؤمني الجن يكونون ترابا كالبهائم ، وذكر في ذلك حديثا مجهولا ، وما أراه يصحّ. والله أعلم. والإخوة في هذه الآية إخوة الملة.
قال* ص* : في «النار» متعلق ب «خلت» ، أو بمحذوف ، وهو صفة ل «أمم» أي : في أمم سابقة ، في الزمان كائنة ، من الجن والإنس كائنة في النار ، ويحتمل أن يتعلق ب «ادخلوا» على أن «في» الأولى بمعنى «مع» ، والثانية للظرفية ، وإذا اختلف مدلول الحرفين ، جاز تعلقهما بمحلّ واحد. انتهى.
و (ادَّارَكُوا) معناه : تلاحقوا ، أصله : تداركوا أدغم ، فجلبت ألف الوصل.
وقال البخاري : (ادَّارَكُوا) اجتمعوا. انتهى. وقوله سبحانه : (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ) معناه : قالت الأمم الأخيرة التي وجدت ضلالات متقررة ، وسننا كاذبة مستعملة للأولى التي شرعت ذلك ، وافترت على الله ، وسلكت سبيل الضّلال ابتداء (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا) ، أي : طرقوا لنا طرق الضلال ، (قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ) أي : عذاب مشدّد على الأول والآخر (وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) أي المقادير ، وصور التضعيف.
__________________
(١) ينظر : «البحر المحيط» (٤ / ٢٩٧)