(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ)(٣٧)
قوله سبحانه : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ ...) الآية : هذه الآية وعيد واستفهام على جهة التقرير ، أي : لا أحد أظلم منه ، والكتاب هو اللوح المحفوظ في قول الحسن وغيره.
وقيل : ما تكتبه الحفظة ، ونصيبهم من ذلك هو الكفر والمعاصي. قاله مجاهد ، وغيره.
وقيل : هو القرآن ، وحظّهم فيه سواد الوجوه يوم القيامة.
وقال الربيع بن أنس ، وغيره : المعنى بالنصيب ما سبق لهم في أم الكتاب من رزق ، وعمر ، وخير ، وشر في الدنيا ، ورجحه (١) الطبري.
واحتج له بقوله تعالى بعد ذلك : (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا) أي : عند انقضاء ذلك ، فكان معنى الآية على هذا التأويل : أولئك يتمتعون ، ويتصرّفون في الدنيا بقدر ما كتب لهم حتى إذا جاءتهم رسلنا لموتهم ؛ وهذا تأويل جماعة ، وعلى هذا يترتّب ترجيح الطبري.
وقالت فرقة : (رُسُلُنا) يريد بهم ملائكة العذاب يوم القيامة ، و (يَتَوَفَّوْنَهُمْ) معناه عندهم يستوفونهم عددا في السوق إلى جهنم.
وقوله سبحانه حكاية عن الرسل (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ) استفهام تقرير ، وتوبيخ ، وتوقيف على خزي ، و (تَدْعُونَ) معناه : تعبدون ، وتؤمّلون.
وقولهم : (ضَلُّوا عَنَّا) معناه : هلكوا ، وتلفوا ، وفقدوا.
ثم ابتدأ الخبر عن المشركين بقوله سبحانه : (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ).
(قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨) وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ
__________________
(١) ينظر : «تفسير الطبري» (٥ / ٤٨١)