الأقوال ، فخاطب الله تعالى نبيّه عليهالسلام على هذه الصورة من المخاطبة ، ووقّفه بها توقيفا رادّا على أقوالهم ومبطلا لها ، وليس المعنى أنّه عليهالسلام همّ بشيء من ذلك ، فزجر عنه ، فإنه لم يرد قطّ ترك شيء مما أوحي إليه ، ولا ضاق صدره به ، وإنما كان يضيق صدره بأقوالهم وأفعالهم وبعدهم عن الإيمان.
قال* ص ، وع (١) * : وعبّر ب (ضائِقٌ) وإن كان أقلّ استعمالا من «ضيّق» لمناسبة (تارِكٌ) ؛ ولأن (ضائِقٌ) وصف عارض ؛ بخلاف «ضيق» ؛ فإنه يدل على الثبوت ، والصّالح هنا الأول بالنسبة إليه صلىاللهعليهوسلم ، والضمير في «به» عائد على البعض ، ويحتمل أن يعود على «ما» و (أَنْ يَقُولُوا) أي : كراهة أن يقولوا ، أو لئلا يقولوا ، ثم آنسه تعالى بقوله : (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) ، أي : هذا القدر هو الذي فوّض إليك ، والله تعالى بعد ذلك هو الوكيل الممضي لإيمان من شاء ، وكفر من شاء (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) : «أم» بمعنى : «بل» ، والافتراء أخصّ من الكذب ، ولا يستعمل إلا فيما بهت به المرء وكابر.
وقوله سبحانه : (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) تقدّم تفسير نظيرها ، وقال بعض الناس : هذه الآية متقدّمة على التي في يونس ؛ إذ لا يصحّ أن يعجزوا في واحدة ، ثم يكلّفوا عشرا.
قال* ع (٢) * : وقائل هذا القول لم يلحظ ما ذكرناه من الفرق بين التكليفين ، في كمال المماثلة مرة كما هو في «سورة يونس» ، ووقوفها على النظم مرّة كما هو هنا ، وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) : يريد في أنّ القرآن مفترى.
(فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ١٥٤)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ١٥٥)