(وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ) ، أي : المتوعّد به (إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) ، أي مدّة معدودة (لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ) ، أي : ما هذا الحابس لهذا العذاب ؛ على جهة التكذيب ، (وَحاقَ) : معناه : حلّ وأحاط. البخاريّ : حاق : نزل.
(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١) فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(١٣)
(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ...) الآية : «الرحمة» هنا : تعمّ جميع ما ينتفع به من مطعوم وملبوس وجاه وغير ذلك ، و (الْإِنْسانَ) هنا اسم جنس ، والمعنى : إن هذا الخلق في سجيّة الإنسان ، ثم استثنى منهم الذين ردّتهم الشرائع والإيمان / إلى الصبر والعمل الصالح ، و (كَفُورٌ) هنا : من كفر النعمة ، وال (نَعْماءَ) : تشمل الصحّة والمال ، وال (ضَرَّاءَ) : من الضّرّ ، وهو أيضا شامل ؛ ولفظة (ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي) : يقتضي بطرا وجهلا أنّ ذلك بإنعام من الله تعالى ، و (السَّيِّئاتُ) هنا : كلّ ما يسوء في الدنيا ، والفرح ؛ هنا : مطلق ؛ فلذلك ذمّ ، إذ الفرح انهمال النفس ، ولا يأتي الفرح في القرآن ممدوحا إلا إذا قيد بأنه في خير.
وقوله : (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) : استثناء متصل ؛ على ما قدّمنا من أنّ الإنسان عام يراد به الجنس ؛ وهو الصواب ، ومن قال : إنه مخصوص بالكافر قال : هاهنا الاستثناء منقطع ، وهو قول ضعيف من جهة المعنى ، لا من جهة اللفظ ؛ لأن صفة الكفر لا تطلق على جميع الناس ؛ كما تقتضي لفظة الإنسان واستثنى الله تعالى من الماشين على سجيّة الإنسان هؤلاء الذين حملتهم الأديان على الصبر على المكاره ، والمثابرة على عبادة الله ، وليس شيء من ذلك في سجيّة البشر ، وإنما حمل على ذلك خوف الله وحبّ الدّار الآخرة ، والصبر على العمل الصالح لا ينفع إلّا مع هداية وإيمان ، ثم وعد تعالى أهل هذه الصفة بالمغفرة للذّنوب والتفضّل بالأجر والنّعيم.
وقوله سبحانه : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ) : سبب هذه الآية : أنّ كفّار قريش قالوا : يا محمّد ، لو تركت سبّ آلهتنا ، وتسفيه آبائنا ، لجالسناك واتّبعناك ، وقالوا له : ائت بقرآن غير هذا أو بدّله ، ونحو هذا من