وقوله سبحانه : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) : قال مجاهد وغيره : المعنى : فإذا جاء رسولهم يوم القيامة للشّهادة عليهم ، صيّر قوم للجنّة ، وقوم للنار ، فذلك القضاء بينهم بالقسط (١).
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠) أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ)(٥٣)
وقوله سبحانه : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ...) الآية : الضمير في (يَقُولُونَ) لكفّار قريش ، وسؤالهم عن الوعد تحرير منهم ـ بزعمهم ـ للحجّة أي : هذا العذاب الذي توعّدنا به ، حدّد لنا وقته ؛ لنعلم الصّدق في ذلك من الكذب ، ثم أمر الله تعالى نبيّه أن يقول على جهة الردّ عليهم : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ، ولكن (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) انفرد الله بعلم حدّه ووقته ، وباقي الآية بيّن.
وقوله : (ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) : أي : فما تستعجلون منه ، وأنتم لا قبل لكم به ، والضمير في «منه» يحتمل أن يعود على الله عزوجل ، ويحتمل أن يعود على العذاب.
وقوله : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) المعنى : إذا وقع العذاب وعاينتموه ، آمنتم حينئذ ، وذلك غير نافعكم ، بل جوابكم : الآن وقد كنتم تستعجلونه مكذّبين به ، (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ) : معناه : يستخبرونك ، وهي على هذا تتعدّى إلى مفعولين ؛ أحدهما : الكاف ، والآخر : الجملة ، وقيل : هي بمعنى يستعلمونك ؛ فعلى هذا تحتاج إلى ثلاثة مفاعيل.
* ص* : وردّ بأن الاستنباء لا يحفظ تعديه إلى ثلاثة ، ولا استعلم الذي هو بمعناه. انتهى.
و (أَحَقٌّ هُوَ) قيل : الإشارة إلى الشرع والقرآن ، وقيل : إلى الوعيد ؛ وهو أظهر.
وقوله : (إِي وَرَبِّي) : أي : بمعنى «نعم» ، وهي لفظة تتقدّم القسم ، ويجيء بعدها
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٥٦٥) برقم : (١٧٦٨١ ـ ١٧٦٨٢) نحوه ، وذكره ابن عطية (٣ / ١٢٣) ، والبغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٥٦)