والبنين ، إذ مصير ذلك إلى الفناء ؛ كمطر نزل من السماء ، (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) ، أي : اختلط النبات بعضه ببعض بسبب الماء ، ولفظ البخاريّ : قال ابن عباس : (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) : فنبت بالماء من كلّ لون (١) انتهى. و (أَخَذَتِ الْأَرْضُ) لفظة كثرت في مثل هذا ، كقوله : (خُذُوا زِينَتَكُمْ) [الأعراف : ٣١] والزّخرف : التزيين بالألوان ، وقرأ ابن مسعود (٢) وغيره : «وتزيّنت» ، وهذه أصل قراءة الجمهور.
وقوله : (وَظَنَّ أَهْلُها) : على بابها ، وهذا الكلام فيه تشبيه جملة أمر الحياة الدنيا بهذه الجملة الموصوفة أحوالها ، و (حَتَّى) غاية ، وهي حرف ابتداء ؛ لدخولها على «إذا» ، ومعناهما متّصل إلى قوله : (قادِرُونَ عَلَيْها) ، ومن بعد ذلك بدأ الجواب ، والأمر الآتي : واحد الأمور ؛ كالرّيح ، والصّرّ ، والسّموم ، ونحو ذلك ، وتقسيمه (لَيْلاً أَوْ نَهاراً) ، تنبيه على الخوف وارتفاع الأمن في كلّ وقت ، و (حَصِيداً) ، بمعنى محصود ، أي : تالفا مستهلكا ، (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ) : أي : لم تنضر ، ولم تنعم ، ولم تعمر بغضارتها ، ومعنى الآية : التحذير من الاغترار بالدنيا ؛ إذ هي معرّضة للتلف ؛ كنبات هذه الأرض وخصّ المتفكّرين بالذكر ؛ تشريفا للمنزلة ؛ وليقع التسابق إلى هذه الرتبة.
(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ ...) الآية : نصّ أن الدعاء إلى الشرع عامّ في كل بشر ، والهداية التي هي الإرشاد مختصّة بمن قدّر إيمانه ، و (السَّلامِ) ؛ هنا : قيل : هو اسم من أسماء الله تعالى ، والمعنى : يدعو إلى داره التي هي الجنّة ، وقيل : (السَّلامِ) بمعنى السّلامة.
(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما
__________________
(١) أخرجه البخاري (٨ / ١٩٦) كتاب «التفسير» باب : «سورة يونس» وذكره معلقا بصيغة الجزم ، ووصله ابن جرير من طريق آخر عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا ...) ، قال الحافظ : اختلط فنبت بالماء كل لون مما يأكل الناس كالحنطة والشعير وسائر حبوب الأرض ، وأخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٤٦) برقم : (٣ / ١٧٦)
(٢) ينظر : «الكشاف» (٢ / ٣٤١) ، و «المحرر الوجيز» (٣ / ١١٤) ، وزاد نسبتها إلى الأعمش وأبي بن كعب ، وينظر : «البحر المحيط» (٥ / ١٤٥) ، وزاد نسبتها إلى زيد بن علي ، وهي في «الدر المصون» (٤ / ٢١)