وقوله : (فَمَنْ أَظْلَمُ) : استفهام وتقرير ، أي : لا أحد أظلم ممّن افترى على الله كذبا ، أو ممّن كذّب بآياته ؛ بعد بيانها ، والضمير في (يَعْبُدُونَ) لكفّار قريش ، وقولهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) : هذا قول النبلاء منهم ، ثم أمر سبحانه نبيّه أن يقرّرهم ويوبّخهم بقوله : (أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) ، وذكر السموات ؛ لأن من العرب من يعبد الملائكة والشّعرى ، وبحسب هذا حسن أن يقول : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا) ، وقيل : ذلك على تجوّز في الأصنام التي لا تعقل.
(وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ)(٢١)
وقوله سبحانه : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا) قالت فرقة : المراد آدم كان أمة وحده ، ثم اختلف الناس بعده ، وقالت فرقة : المراد آدم وبنوه من لدن نزوله إلى قتل أحد ابنيه الآخر ، ويحتمل أن يريد : كان الناس صنفا واحدا بالفطرة معدّا للاهتداء ، وقد تقدّم الكلام على هذا في قوله سبحانه : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) [البقرة : ٢١٣].
وقوله سبحانه : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) يريد : قضاءه وتقديره لبني آدم بالآجال المؤقّتة ، ويحتمل أن يريد : الكلمة في أمر القيامة ، وأنّ العقاب والثواب إنما يكون حينئذ.
وقوله : (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) أي : إن شاء فعل ، وإن شاء لم يفعل.
وقوله : (فَانْتَظِرُوا) : وعيد.
وقوله سبحانه : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ ...) الآية : هذه الآية في الكفّار ، وهي بعد تتناول من العصاة من لا يؤدي شكر الله عند زوال المكروه عنه ، ولا يرتدع بذلك عن معاصيه ، وذلك في الناس كثير ، والرحمة هنا بعد الضرّاء ؛ كالمطر بعد القحط ، والأمن بعد الخوف ونحو هذا ممّا لا ينحصر ، والمكر : الاستهزاء والطّعن عليها من الكفّار واطّراح الشكر والخوف من العصاة.
وقال أبو عليّ : (أَسْرَعُ) من «سرع» لا من «أسرع يسرع» ، إذ لو كان من «أسرع» ، لكان شاذّا.