تأخّر عنه بعد العلم ، فيظهر والله أعلم ، أنّ الآية الأولى باق حكمها ؛ كما قال ابن عباس ، وتكون الثانية ليست في معنى الغزو ، بل في شأن التفقّه في الدّين على الإطلاق (١) وهذا هو الذي يفهم من استدلالهم بالآية على فضل العلم ، وقد قالت فرقة : إن هذه الآية ليست في معنى الغزو ، وإنما سببها قبائل من العرب أصابتهم مجاعة ، فنفزوا إلى المدينة لمعنى المعاش ، فكادوا يفسدونها ، وكان أكثرهم غير صحيح الإيمان ، وإنما أضرعه الجوع ، فنزلت الآية في ذلك ، والإنذار في الآية عامّ للكفر والمعاصي ، والحذر منها أيضا ؛ كذلك قال ابن المبارك في «رقائقه» أخبرنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظيّ ، قال : إذا أراد الله تبارك وتعالى بعبد خيرا ، جعل فيه ثلاث خصال : فقها في الدّين ، وزهادة في الدنيا ، وبصّره بعيوبه (٢). انتهى.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥) أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)(١٢٧)
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) قيل : إنّ هذه الآية نزلت قبل الأمر بقتال الكفّار كافّة ، فهي من التدريج الذي كان في أوّل الإسلام.
قال* ع (٣) * : وهذا ضعيف فإن هذه السورة من آخر ما نزل.
وقالت فرقة : معنى الآية أنّ الله تبارك وتعالى أمر فيها المؤمنين أن يقاتل كلّ فريق منهم الجنس الذي يليه من الكفرة.
وقوله سبحانه : (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) : أي : خشونة وبأسا ، ثم وعد سبحانه في آخر الآية وحضّ على التقوى التي هي ملاك الدّين والدنيا ، وبها يلقى العدوّ ، وقد قال
__________________
في «مسنده» (١٨٦) ، عن شعبة ، عن يحيى بن هانىء ، عن نعيم بن دجاجة قال : سمعت عمر يقول : لا هجرة بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٥١٤) برقم : (١٧٤٨٨) ، وابن كثير (٢ / ٤٠١) ، والبغوي في «تفسيره» (٢ / ٥٢٢)
(٢) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» ص : (٩٥ ـ ٩٦) رقم : (٢٨٢) ومن طريقه أبي نعيم في «حلية الأولياء» (٣ / ٢١٣)
(٣) ينظر : «المحرر» (٣ / ٩٧)