بعض الصحابة : إنما تقاتلون النّاس بأعمالكم ، ووعد سبحانه أنه مع المتّقين ، ومن كان الله معه ، فلن يغلب.
وقوله تعالى : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً ...) الآية : هذه الآية نزلت في شأن المنافقين ، وقولهم : (أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً) يحتمل أن يكون لمنافقين مثلهم ، أو لقوم من قراباتهم ؛ على جهة الاستخفاف والتحقير لشأن السّورة ، ثم ابتدأ عزوجل الردّ عليهم بقوله : (فَأَمَّا / الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) وذلك أنه إذا نزلت سورة ، حدث للمؤمنين بها تصديق خاصّ ، لم يكن قبل ، فتصديقهم بما تضمّنته السورة من أخبار وأمر ونهي أمر زائد على الذي كان عندهم قبل ، وهذا وجه من زيادة الإيمان.
ووجه آخر ؛ أنّ السورة ربّما تضمّنت دليلا أو تنبيها على دليل ، فيكون المؤمن قد عرف الله بعدّة أدلّة ، فإذا نزلت السورة ، زادت في أدلّته ، ووجه آخر من وجوه الزيادة أنّ الإنسان ربّما عرضه شكّ يسير ، أو لاحت له شبهة مشغّبة ، فإذا نزلت السورة ، ارتفعت تلك الشبهة ، وقوي إيمانه وارتقى اعتقاده عن معارضة الشبهات ، و (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) : هم المنافقون ، و «الرجس» ؛ في اللغة : يجيء بمعنى القذر ، ويجيء بمعنى العذاب ، وحال هؤلاء المنافقين هي قذر ، وهي عذاب عاجل ، كفيل بآجل ، وإذا تجدّد كفرهم بسورة ، فقد زاد كفرهم ، فذلك زيادة رجس إلى رجسهم.
وقوله سبحانه : (أَوَلا يَرَوْنَ) يعني : المنافقين ، وقرأ حمزة : «أولا ترون» ـ بالتاء من فوق ـ ؛ على معنى : أو لا ترون أيّها المؤمنون ؛ (أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ) ، أي : يختبرون ، وقرأ مجاهد : «مرضة أو مرضتين» ، والذي يظهر مما قبل الآية ، ومما بعدها أنّ الفتنة والاختبار إنما هي بكشف الله أسرارهم وإفشائه عقائدهم ؛ إذ يعلمون أنّ ذلك من عند الله ، وبهذا تقوم الحجّة عليهم ، وأما الاختبار بالمرض فهو في المؤمنين.
وقوله سبحانه : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ) : المعنى : وإذا ما أنزلت سورة فيها فضيحة أسرار المنافقين ، (نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) : أي : هل معكم من ينقل عنكم ، هل يراكم من أحد حين تدبّرون أموركم ، (ثُمَّ انْصَرَفُوا) عن طريق الاهتداء ؛ وذلك أنهم وقت كشف أسرارهم والإعلام بمغيّبات أمورهم ، يقع لهم لا محالة تعجّب وتوقّف ونظر ، فلو أريد بهم خير ، لكان ذلك الوقت مظنّة الاهتداء ، وقد تقدّم بيان قوله : (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ).
(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ