لفعله صلىاللهعليهوسلم ؛ إذ أفعاله في حكم الشرع المستقرّ ، وقال ابن عبّاس وقتادة (١) وغيرهما : إنما نزلت الآية بسبب جماعة من المؤمنين قالوا : نستغفر لموتانا ؛ كما استغفر إبراهيم عليهالسلام ، فنزلت الآية في ذلك ، وقوله سبحانه : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ ...) الآية : المعنى : لا حجّة أيّها المؤمنون في استغفار إبراهيم عليهالسلام ، فإن ذلك لم يكن إلا عن موعدة ، واختلف في ذلك ، فقيل : عن موعدة من إبراهيم ، وذلك قوله : (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) [مريم : ٤٧] وقيل : عن موعدة من أبيه له في أنّه سيؤمن ، فقوي طمعه ، فحمله ذلك على الاستغفار له ؛ حتى نهي عنه ، وموعدة من الوعد ، وأما تبيّنه أنه عدوّ لله ، قيل : ذلك بموت آزر على الكفر ، وقيل : ذلك بأنه نهي عنه ، وهو حيّ ، وقوله سبحانه : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) ثناء من الله تعالى على إبراهيم ، و «الأوّاه» معناه الخائف الذي يكثر التّأوّه من خوف الله عزوجل ، والتّأوّه : التوجّع الذي يكثر حتّى ينطق الإنسان معه ب «أوّه» ؛ ومن هذا المعنى قول المثقّب العبدي : [الوافر]
إذا ما قمت أرحلها بليل |
|
تأوّه أهّة الرّجل الحزين (٢) |
ويروى : آهة.
وروي أن إبراهيم عليهالسلام كان يسمع وجيب قلبه (٣) من الخشية ، كما تسمع أجنحة النّسور ، وللمفسّرين في «الأوّاه» عبارات كلّها ترجع إلى ما ذكرته.
* ت* : روى ابن المبارك في «رقائقه» ، قال : أخبرنا عبد الحميد بن بهرام ، قال : حدّثنا شهر بن حوشب ، قال : حدّثني عبد الله بن شدّاد ، قال : قال رجل : يا رسول الله ، ما الأوّاه؟ قال : «الأوّاه الخاشع الدّعّاء المتضرّع ؛ قال الله سبحانه : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)» (٤) انتهى.
و (حَلِيمٌ) معناه : صابر ، محتمل ، عظيم العقل ، والحلم : العقل. وقوله سبحانه : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ ...) الآية : معناه التأنيس للمؤمنين ، وقيل : إن
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» عن قتادة ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٠٦) ، وعزاه أيضا لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم وابن مردويه.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٩١)
(٣) وجب القلب يجب : وجبا ووجيبا ووجوبا ، ووجبانا : خفق واضطرب.
ينظر : «لسان العرب» (٤٧٦٧)
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٩٨) برقم : (١٧٤٣١) من حديث عبد الله بن شداد ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٠٩) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.